المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تولية المرأة القضاء شرعاًً وقانوناً


عاشقة الرسول
11-12-2007, 01:12 AM
تولية المرأة القضاء شرعاًً وقانوناً
د. كامل شطيب الراوي
أستاذ مشارك
رئيس قسم القرآن والدراسات الإسلامية
كلية التربية أرحب
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين وبعد :
فهذا بحث في مكانة المرأة في التشريع الإسلامي من حيث توليتها القضاء شرعاً وقانوناً وخلاف الفقهاء في هذه المسألة، وكانت رغبتي شديدة في أن أبحث هذا الموضوع في كتب التفسير والفقه وما كتبه العلماء قديماً وحديثاً قدر التمكن وجاء البحث مقسماً إلى مقدمة وفصلين وفهارس .
الفصل التمهيدي وفيه مباحث :
المبحث الأول : التعريف بالقضاء لغة واصطلاحاً .
المبحث الثاني : مشروعية القضاء .
المبحث الثالث : التشديد في ولاية القضاء .
المبحث الرابع : طلب ولاية القضاء وحكمها .
المبحث الخامس : مراتب طلب ولاية القضاء .
المبحث السادس : حكم قبول منصب ولاية القضاء.
الفصل الثاني :
المرأة والقضاء وفيه مباحث :
المبحث الأول : العلاقة بين الشهادة والقضاء .
المبحث الثاني : اختيار القاضي وفيه مطالب .
المطلب الأول : نظام الإنتخاب .
المطلب الثاني : نظام التعيين .
المطلب الثالث : النظام القضائي العراقي .
المطلب الرابع : النظام القضائي المصري .
المطلب الخامس : النظام الاسلامي في اختيار القضاة .
المطلب السادس : شروط القاضي عند الفقهاء .
المبحث الثالث : ولاية المرآة القضاء وفيه مطالب .
المطلب الأول : موقف القانون العراقي من تولية المرأة القضاء .
المطلب الثاني : موقف القانون المصري من تولية المرأة القضاء .
المطلب الثالث : موقف الشريعة الإسلامية .

المبحث الأول: التعريف بالقضاء
القضاء لغة : يعني الحكم والفصل والقطع .
يقال قضى يقضي إذا حكم وفصل ، والقاضي : القاطع للأمور المحكم لها ، والذي يقضي بين الناس بحكم الشرع .
وتأتي لفظة (القضاء) على وجوه كثيرة منها :
الوجوب والوقوع : مثل قوله تعالى : (وقضي الأمر الذي فيه تستفتيان) (1) . [1]
الإتمام والإكمال : مثل قوله تعالى : (فلما قضى موسى الأجل) (2) . [2]
وقوله تعالى : (أيما الأجلين قضيت) (3) . [3]
العهد والإيصاء : مثل قوله تعالى : (إذ قضينا إلى موسى الأمر) (4) . [4]
الأمر : مثل قوله تعالى : (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً) .
الخلق والتقدير : قال تعالى (فقضاهن سبع سموات) (5) . [5]

العمل : قوله تعالى : فاقضِ ما أنت قاضِ (6) . [6]
الأداء : يقال : قضى الدائن دينه أي أدى ما عليه من دين .
الفراغ والانتهاء : قوله تعالى : ولما قضى زيد منها وطراً زوجناكها (7) . [7]
والقضاء اصطلاحاً : أما القضاء في الإصطلاح الشرعي فقد عرفوه بتعاريف كثيرة منها :
أنه فصل الخصومات والمنازعات (8) . [8]
هو الأخبار عن حكم شرعي على سبيل الإلزام (9) . [9]
هو الحكم بين خصمين فأكثر بحكم الله (10) . [10]
هو فصل الخصومات وقطع المنازعات على وجه خاص (11) . [11]
القضاء قول ملزم يصدر عن ولاية عامة (12) . [12]
والناظر لهذه التعاريف تبدو له وكأنها مختلفة إلا أنها في الحقيقة متفقة لا مختلفة حيث أن التعريف الأول تضمن الفصل بين الخصومات والمنازعات والفصل والحكم بين المتنازعين لا يكون إلا بحكم الشرع ولا بد من وجود خصمين حتى يحصل الفصل بينهما، والفصل أمر ملزم كما في تعريف ج .
وبهذا يكون كل تعريف إما أن يصرح ببعض العناصر الموجودة في بقية التعاريف أو يخفيها لأنها لابد من وجودها .
والتعريف المختار والذي يمكن وضعه واختياره لتعريف القضاة بمعناه الاصطلاحي هو أن يقال :
القضاء في الاصطلاح : هو الحكم بين الخصوم بالقانون الإسلامي بكيفية مخصوصة .
والمراد بالكيفية المخصوصة : كيفية رفع الدعوة إلى القاضي والأساليب والضوابط التي يلتزم بها القاضي ، والخصوم وإحضارهم في إجراء التقاضي والترافع أمام القضاء أو وسائل الإثبات للحق المدعى به ووسائل رفع الدعوة وغير ذلك .
والتي على أساسها يصدر القاضي حكمه الحاسم للنـزاع وفقاً لاحكام الشريعة الإسلامية وهذا هو المراد بالقانون الإسلامي.
هذا وقد ذم الله سبحانه قوماً على امتناعهم من إجابة داعي الحاكم إلى مجلس حكمه فقال تعالى :
(وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون) (13) . [13]
ومدح آخرين على إتباعهم اليه مذعنين له منقادين لرسل القضاء قائلين سمعاً وطاعة ، إذا دعاهم القاضي إلى إتيان مجلس حكمه وقضائه فقال تعالى : (انما كان قول المؤمنين اذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا ) (14). [14]
المبحث الثاني: مشروعية القضاء
لما كان القضاء ضروري للمجتمع وأن أي مجتمع بلا استثناء يحتاج إلى القضاء والقضاء تلو النبوة ، وخلق الله تعالى الخلق وكلفهم بالأخذ بالشرائع ، وبعث رسله صلوات الله وسلامه عليهم قضاة ليرشدوهم ويحكموا بينهم ، وقد ثبت ذلك بالقرآن والسنة والإجماع والمعقول .
القرآن :
(كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه) (15) . [15]
قوله تعالى : ( وإن احكم بينهم بما أنزل الله ) (16) . [16]
قوله تعالى : ( ياداود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولاتتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ) (17) . [17]
وقوله تعالى : ( وإذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل ) (18) . [18]
وقوله تعالى لنبيه محمد eفإن جاءوك فاحكم بينهم أو اعرض عنهم .. إلى قوله تعالى : (وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين ) (19) . [19]
وقوله تعالى : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً ) (20) . [20]
السنة : وأما بالسنة فقد وردت أحاديث كثيرة تثبت ذلك ومنها
1- عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران ، فإذا حكم واجتهد ثم اخطأ فله أجر واحد) (21) . [21]
وعن بريده t عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (القضاة ثلاثة اثنان في النار وواحد في الجنة رجل عرف الحق فقضى به فهو في الجنة ، ورجل عرف الحق فلم يقضي به وجار في الحكم فهو في النار ، ورجل لم يعرف الحق فقضى للناس على جهل فهو في النار ) (22). [22]
وقوله صلى الله عليه وسلم : (إنما انا بشر وإنكم تختصمون اليه ولعل بعضكم أن يكون الحن بحجته من بعض فاقض له بنحو ما أسمع فمن قضيت له بحق أخيه فإنما قطعت له قطعة من النار ) (23) . [23]
(وقد بعث eسيدنا معاذً t قاضياً إلى اليمن ، قال e لمعاذ t ، كيف تقضي إذا عرض لك قضاء قال : اقضي بكتاب الله . قالt فإن لم تجد؟ قال معاذ : فبسنة رسول الله قال e فإن لم تجد ؟ قال : اجتهد برأي ولا ألو ، فضرب على صدره وقال e : الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضيه ) (24). [24]
وقال e في حديث : (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وذكر منهم الإمام العادل ) (25) . [25]
الإجماع : فقد أجمع المسلمون على مشروعية القضاء لأنه من الأمور الضرورية التي يحتاج إليها المجتمع الإسلامي وغيره كما اجمعوا على تعيين القضاة لما في القضاء إحقاق الحق وإزهاق الباطل وردء الظالم فلابد من حاكم ينصف المظلوم من الظالم ويرد له حقه المغتصب وهذه هي الحكمة من القضاء مع العلم أن الفقهاء اعتبروا تولية القضاء من فروض الكفايات وأنه من الوظائف الداخلة تحت الخلافة الشرعية المتلقاة من الكتاب والسنة .
المبحث الثالث : التشديد في ولاية القضاة
وردت أحاديث وآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين كراهية القضاة وذمه وتحذر من الحرص عليه أو المطالبة به وفيهما ترهيب للقضاء لا ترغيب لخطورة هذا المنصب وصعوبته فالقاضي يجب أن يتصف بصفات وتتوفر فيه شروط البلوغ والعدل والعقل والحرية ، فقهياً ورعاً وغير ذلك من الشروط .
والأحاديث هي : عن أبي هريرة tقال : قال e ( من جعل قاضياً بين الناس فقد ذبح بغير سكين ) (26) [26]
وعن ابن مسعود t عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،قال:(مامن حكم يحكم بين الناس الا حبس يوم القيامه وملك اخذ بقفاه حتى يقفه على جهنم ثم يرفع رأسه إلى الله عز وجل فإن قال القه القاه في مهوى فهوى اربعين خريفاً )رواه احمد وابن ماجه بمعناه (27) [27]
وعنه صلى الله عليه وسلم قال : (لتأتين على القاضي العدل يوم القيامة ساعة يتمنى أنه لم يقضي بين اثنين في تمره ) (28) . [28]
وعنه صلى الله عليه وسلم قال : (إذا جلس الحاكم في مكانه هبط عليه ملكان يسددانه ويوفقانه ويرشدانه مالم يجر ، فإذا جار تركاه وعرجا إلى السماء ) (29) [29]
ففي هذه الأحاديث الشريفة إشارة واضحة إلى مافي تولي القضاء من خطر جسيم لما يخاف فيه من هلاك دين الرجل إذا تولي القضاء وهو غير أهل له ، أو لم يحكم بالحق وعلى هذا ينبغي ألا يتشوق إليه المسلم ولا يحرص عليه ، ولكن الإنسان في هذا العصر قد أوقع نفسه في مضيق وباع دينه بدنياه فهو شديد الحرص على هذا المنصب ، بل يتقرب إليه بكل وسيلة ، وكل عاقل يعلم إن من تسلق القضاء وهو جاهل بالشريعة المطهرة جهلاً بسيطاً أو جهلاً مركباً أو من كان قاصراً عن رتبة الفقه والاجتهاد فلا حامل له على ذلك إلا حب المال والظهور والابهه إذ لا يصح أن يكون الحامل من قبيل الدين ، لأن الله لم يوجب على من لم يتمكن من الحكم بما أنزل الله أي بالحق أن يتحمل هذا العبء الثقيل قبل تحصيل شرطه الذي يحرم قبوله قبل حصوله ، فعلم من هذا أن الحامل للمقصرين على التهافت على القضاء والتوثب على أحكام الله بدون ما شرطه ليس إلا الدنيا لا الدين .
فإياك والاغترار بأقوال قوم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم فإذا لبسوا أثواب الرياء والتصنع ، وأظهروا شعار التغرير والتدليس والتلبيس ، وقالوا مالهم بغير الحق حاجة ولا أرادوا إلا تحصيل الثواب الأخروي فقل لهم دعوا الكذب على أنفسكم يا قضاة النار فلو كنتم تخشون الله وتتقونه حق تقاته لما اقدمتم على المخاطرة ، بدون إيجاب من الله ولا إكراه من سلطان ولا حاجة من المسلمين . وقد كثر التتابع من الجهلة على هذا المنصب وغيره واشتروه بالأموال والنفاق ، حتى عمت البلوى جميع الأقطار العربية ليس في صفة القاضي وشروطه فقط بل تعداه إلى ما يحكم فيه من القوانين الغربية المخالفة لحكم الله صراحة سواء كان في الحدود أو القصاص أو الأموال أو الأحوال الشخصية أو غيرها .

المبحث الرابع : طلب ولاية القضاء
إذا كان القضاء مشروعاً وهو من فروض الكفايات وله فضل عظيم لمن يقوم به بصورة صحيحة ومع ذلك جاء التحذير منه ولكن هذا لايعني تركه مطلقاً فهل يجوز للمسلم أن يطلب ولاية القضاء لنفسه إذا كان أهلاً للولاية ؟
والجواب على ذلك : لا ينبغي أن يطلب ذلك لأن الأصل العام في تولي الوظائف العامة في دار الإسلام هو المنع .
ويدل على ذلك الحديث الشريف عن أبي موسى الاشعري t أنه قال : (دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم أنا ورجلان من بني عمي فقال أحدهما :يا رسول الله امرنا على بعض ما ولاك الله،وقال الأخر مثل ذلك (30) [30]
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنا والله لانولي هذا العمل أحداً سأله أو أحداً حرص عليه )(31) [31] ولا شك أن منصب القضاء يندرج في مضمون هذا الحديث الشريف لأنه من جملة أعمال الدولة ووظائفها العامة .وبالنسبة لوظيفة القضاء بالذات ورد الحديث الشريف : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال : (من طلب القضاء واستعان عليه وكل إليه ومن لم يطلبه ولا استعان عليه أنزل الله ملكا يسدده ) (32) . [32]
وهذا الحديث واضح الدلالة في المنع في طلب القضاء ، لان من يطلبه يفقد تسديد الملك له ، ولذلك يستنبط من هذا الحديث التحريض والحث على الامتناع عن طلب ولاية القضاء ويقاس عليه الوظائف الأخرى للدولة .
المبحث الخامس: مراتب طلب ولاية القضاء
قلنا إن الأصل العام في طلب ولاية القضاء المنع إلا أن هذا المنع ليس واحداً بالنسبة لكل الطالبين فقد يكون بدرجة التحريم أو الكراهة أو الإباحة وقد يكون واجباً وقد يكون مندوباً وعلى هذا يمكن تقسيمه على النحو التالي :
التحريم : وهذا يكون بالنسبة للجاهل بأمور القضاء ، وبالنسبة للعالم بالقضاء ولكن طلبه للقضاء كانت الغاية منه إعانة الظلمة والقضاء لهم بما يشتهون، أو ليأكل أموال الناس بالباطل أو أنه على علم يقين أنه لا يستطيع القيام بالقضاء بصورة عادلة لما يعلمه من باطنه من اتباع الهوى والسير مع الشهوات او لوجود إكراه أو تدخل من السلطة فمثل ذلك يحرم عليه طلب القضاء وإلا مثله كثيرة في ذلك فقد امتنع الإمام الشافعي t عن تولي القضاء في عهد المأمون وقد طلبه المأمون ليوليه القضاء في الشرق والغرب فأبى . ويروي أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تاريخه الكبير وأبو نعيم في حليته والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد إن المنصور طلب أبا حنيفة للقضاء فأبى فحلف المنصور ليفعلن ، وحلف أبو حنيفة انه لا يفعل فقال له الربيع يحلف أمير المؤمنين وتحلف أنت ؟ فقال ابو حنيفة t أمير المؤمنين اقدر على كفارة يمينه مني فحبسه المنصور أياماً ثم أحضره فقال له : يا أمير المؤمنين أنا لا اصلح للقضاء فإن كنت صادقاً فلا اصلح ، وإن كاذباً فلا اصلح للكذب فرده إلى الحبس وضربه بالسياط فلم يقبل فأطلقه وإلا مثله كثير في ذلك(33) [33]
الإباحة : وهذا لمن قصد بطلبه القضاء ولدفع الأذى عن نفسه وكان صالحاً لتولي القضاء وكذلك بالنسبة للفقير صاحب العيال وهو بحاجة إلى الكسب لسد حاجته وحاجتهم فيباح له طلب تولي القضاء ما دام أهلا لها قادراً على القيام بمهامها وواجباتها بصورة صحيحة .
الندب : وهذه بالنسبة لمن لا يتعين عليه تولي القضاء ولكنه يعلم أن تولية منصب القضاء انفع للمسلمين من غيره لكونه اصلح له واقدر عليه من غيره وهو ظنه الراجح في ذلك .
الوجوب : وهذا بالنسبة لمن يتعين عليه تولي القضاء ووجب عليه تقلده لأنه وحده الصالح له القادر عليه ، فيجب عليه كما يقول الفقيه ابن فرحون المالكي (السعي في طلبه وتحصيله لتعين القيام بهذا الغرض عليه [34] ) (34)
المبحث السادس: حكم قبول منصب القضاء
لما كان القضاء من فروض الكفاية وأن الأصل العام في طلب تولية المنع ثم بينا مراتب الطلب من جهة التحريم وعدمه . ولكن ماحكم قبول منصب القضاء بالنسبة للمسلم الذي عرض عليه هذا المنصب ؟
والجواب إن حكم القبول هذا يختلف باختلاف حال المسلم والظروف المحيطة به وما يتعلق بقبوله وما يترتب عليه من مصلحة او مفسدة على النحو التالي :
أولاً الوجوب : وهذا بالنسبة لمن يتعين عليه القيام بالقضاء وتولي منصبه نظراً لعدم وجود من يصلح للقضاء غيره مع العلم واليقين أن باستطاعته مزاولة القضاء والقيام به بدون أن تدخل قوة للتأثير عليه فإذا امتنع عن قبوله أثم إثم تارك واجب.
ثانياً الندب : وهذا بالنسبة لمن يترتب على قبوله منصب القضاء تحقيق مصلحة عامة ونفع عام للمسلمين لكونه اقدر على مسؤوليات القضاء من غيره واثبت من غيره على متطلباته واصلح له من غيره علماً وورعاً. وأرى أن الندب هنا يتأكد بل يصل إلى ما يقرب من درجة الوجوب ، لأن الشريعة الإسلامية هنا تحرص على تحقق النفع العام .
ثالثاً الحرمه: وهذا بالنسبة لمن علم من نفسه العجز عنه أو عدم الإنصاف فيه بالرغم من معرفته بالقضاء ، لما يعلم من نفسه الضعف الذي يؤدي إلى اتباع الهوى أو مداهنة السلطات أو عدم القدرة على مقاومته .
رابعاً الكراهة: وهذا بالنسبة لمن كان صالحاً للقضاء ولكن هناك من هو اصلح منه له . ويمكن تولية هذا الاصلح إذا هو لم يقبل ولاية القضاء.
خامساً الإباحة : إذا كان هو وغيره سواء في الصلاحية للقضاء ولا يوجد في واحد منهم ما يرجح قبوله ، ولقد دخل في القضاء قوم صالحون وترك الدخول فيه قوم صالحون ايضاً .

الفصل الثاني
المرأة والقضاء وفيه مباحث
المبحث الأول: العلاقة بين القضاء والشهادة عند الحنفية
جاء في الهداية (ولاتصح ولاية قضاء حتى يجتمع في المولى شرائط الشهادة ويكون من أهل الاجتهاد ) ثم يبين المراد من هذا بقوله( فلان حكم القضاء يستقي من حكم الشهادة لان كل واحد منهما من باب الولاية )، فكل من كان أهلا للشهادة يكون أهلا للقضاء وما يشترط لأهلية الشهادة يشترط لأهلية القضاء، والفاسق أهل للقضاء حتى لو قلد يصح إلا أنه لا ينبغي أن يقلد كما في حق الشهادة فإنه لا ينبغي أن يقبل القاضي شهادته ولو قبل جاز عندنا، خلافاً للشافعي رضي الله عنه من عدم قبوله تولية الفاسق القضاء وكذلك عدم قبول شهادته (35) [35] وقال الكمال بن الهمام : وقد مر وجه جواز قضائها (يعني) في الشهادات وهو أن القضاء من باب الولاية كالشهادة والمرأة من أهل الشهادة فتكون من أهل الولاية(36) [36] .
المبحث الثاني: اختيار القاضي وفيه مطالب
إن حسن إدارة العدالة وأداء القضاء لوظيفته ، يتوقف دون شك على حسن اختيار القضاة ، الذين يتولون القضاء . إذ أن أداء وظيفة القضاء أداءاً حسناً يتوقف على نزاهة القضاة الذين يجب إبعادهم عن كل المؤثرات فإن تحققت هذه النـزاهة كانت أحكام القضاء موضعاً للثقة والاحترام والنـزاهة فضيلة خلقية تتحلى بها النفوس الصالحة عند وزنها للمصالح المتعارضة وليس أحوج من القضاء إلى النـزاهة وهو ميزان العدالة القانونية في الحياة الاجتماعية ، ويتوقف تحقق هذه النـزاهة على حسن اختيار القضاة وتحري الخلق فيهم ، وصونهم من التدخل في شؤونهم وغير ذلك. ولذلك فإن اختيار القضاة كان وما يزال من المسائل التي يختلف بشأنه الفقهاء والمفسرون ، في محاولة للوصول إلى نظام افضل لاختيار القضاة ويدور هذا الاختلاف حول نظامين الأول الانتخاب والثاني نظام التعيين ونستعرض في عجالة بين النظامين لننتهي إلى النظام الذي اعتنقه المسلمون الأوائل وبينه الفقهاء في كتبهم .
المطلب الأول :
1- نظام الانتخاب : مقتضى هذا النظام أن يتم اختيار القضاة بالانتخاب العام المباشر أو غير المباشر وذلك انطلاقاً من أن القضاء سلطة عامة من سلطات الدولة ، تباشرها المحاكم باسم الشعب ، ولما كان الشعب أو الأمة هو مصدر كل السلطات في الدولة ، فيجب أن يتولى الشعب بنفسه سلطة القضاء أو يقوم باختيار من يتولونها نيابة عنه ، وعلى ذلك فلا يجب ترك أمر تعيين القضاة للسلطة التنفيذية أعمالاً لمبدأ الفصل بين السلطات وضماناً لاستقلال القضاء عن الوظيفة التنفيذية وبهذا النظام أخذت بعض الدول المعاصرة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا السوفيتية وبعض المقاطعات السويسرية ( 37) [37] .
وهذا النظام وإن كان يتفق والأصول الديمقراطية نظراً لاتفاقه مع مبدأ الفصل بين السلطات ، وإن الشعب مصدر كل السلطات فضلاً عن تقريبه الصلة بين القاضي وشعبه (38). [38]
فقد كان مثاراً للهجوم عليه من جانب الفقهاء ، والذين رأوا فيه نظاماً لا يتفق وطبيعة الوظيفة القضائية لأنه وإن كان يحقق استقلال القضاة عن السلطة التنفيذية فهو لا يحقق على وجه اليقين استقلاله عن هيئة الناخبين مما قد يؤدي إلى عدم ضمان حياد القاضي وعدالته في مباشرة وظيفته فقد يقع تحت تأثير من انتخبوه ، عاملاً على إرضائهم ووفاءً لهم ، وضماناً لإعادة انتخابه هذا أولاً .
وثانياً : إن الانتخاب لا يأتي في الغالب بأصحاب الكفايات العلمية المؤهلين لتولي منصب القضاء وإنما يأتي بالشخصيات العامة الأكثر شعبية أو عشائرية حتى لو كان أمياً أو حاصل على شهادة ابتدائية فقط كما نلاحظ ذلك في بعض الانتخابات التي تجري في بعض البلدان .فضلاً عن ان هناك اعتبارات كثيرة تتدخل في عملية الانتخابات قد لايكون من بينها اعتبارات الكفاءة والصلاحية ، وإنما يجري على اساس الانتماء الحزبي والميول السياسية والعشائرية وغير ذلك من الاعتبارات التي تتدخل في هذه العملية .
وثالثاً : أن وظيفة القضاء ذاتها تتنافى مع فكرة التأقيت التي يقوم عليها الانتخاب ، إذ أن شغل منصب القضاء لابد وأن يكون لمدة غير محدودة بثلاث أو خمس سنوات ، وإنما يجب استمرارها حتى يكتسب فيها القاضي الخبرة والدراية التي تمكنه من تحقيق العدل وهذه الخبرة لا تكتسب إلا من خلال الممارسة الطويلة لمنصب القضاء (39) . [39]
المطلب الثاني : نظام التعيين
نظراً لما يشوب نظام اختيار القضاة بالانتخاب من عيوب فقد أخذت الغالبية العظمى من الدول ومنها فرنسا وإيطاليا ومصر بل معظم الدول العربية بنظام أخر مؤداه أن تتولى السلطة التنفيذية بنفسها اختيار القضاة وتعيينهم في منصب القضاء وذلك استناداً إلى أن القضاء قد غدا وظيفة عامة تتولاها الدولة عن طريق المحاكم ، فيكون في ذلك من الطبيعي والأمر كذلك أن تتولى الحكومة تعيين من يتولى الوظائف العامة ومنها الوظيفة القضائية والتي تمثل مرفقاً من مرافق الدولة (40) [40] .
ولاشك أن الدولة في اختيارها للقضاة ، ستكون أقدر من الشعب على التعرف على الكفايات المتطلبة فيمن يتولى هذا المنصب .
المطلب الثالث: النظام القضائي العراقي
في العراق تقوم وزارة العدل بتعيين المتخرجين في المعهد القضائي واشترطت شروطاً فيمن يقبل في المعهد القضائي .
وهذه الشروط :
- أن يكون عراقياً بالولادة متمتعاً بالأهلية المدنية الكاملة .
- ألا يزيد عمره عند قبوله في المعهد عن أربعين سنة ولايقل عن ثمان وعشرين سنة .
- ألا يكون محكوماً عليه بجناية غير سياسية أو جنحة مخلة بالشرف.
- أن يكون محمود السيرة وحسن السمعة .
- أن تتوافر فيه الجدارة البدنية .
- أن يكون متخرجاً من إحدى كليات القانون والسياسة ( قسم القانون) في العراق أو كلية قانون معترف بها ويشترط اجتيازه امتحاناً بالقوانين العراقية يحدد مجلس المعهد مواده وكيفية إجرائه .
- ألا يكون قد سبق فصله من المعهد .
- ان تكون له ممارسة فعلية بعد التخرج من الكلية مدة لاتقل عن ثلاث سنوات في المحاماة أو وظيفة قانونية أو قضائية في دوائر ومؤسسات الدولة (41). [41] ثم جاء التعديل بقرار مجلس قيادة الثورة المرقم 59 والصادر في 17/1/1988 علماً بأن هذا القرار قد نشر في العدد 3187 في 1/2/1988 كما أجازت الفقرة الثالثة المضافة إلى المادة الرابعة من القانون رقم 16 لسنة 1988 الذي جاء معدلاً لأحكام قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979م وتنص هذه الفقرة (ثالثاً) .
يجوز تعيين المحامي قاضياً بمرسوم جمهوري إذا أمضى مدة ممارسة في مهنة المحاماة لاتقل عن عشر سنوات ولم يتجاوز عمره الخامسة والأربعين استثناء من شرط التخرج في المعهد القضائي . وجاء في الفقرة الثانية بعض من شروط الممارسة المنصوص عليها في الفقرة ج من البند أولاً من هذه المادة حملة الشهادات العليا في الدراسة القانونية من درجة الماجستير أو أعلى (42) [42] .
ومن خلال نظرنا إلى هذه الشروط نجد أن القانون القضائي العراقي يجيز للمرأة أن تدخل المعهد القضائي وتتخرج منه بوظيفة قاضية وقد قبلت في المعهد نساء وتخرجن منه بوظيفة قضاة لمدة ثلاث دورات ولكن في الوقت الحاضر صدر قرار يكون فيه القبول مقتصراً على الذكور دون الإناث وهذه خطوة جيدة وأعتقد ان المسؤولين شعروا وعرفوا أن المرأة لا تصلح لهذا المنصب .
النظام القضائي المصري
في إطار القانون الوضعي بينا موقف القانون العراقي من تولي المرأة لمنصب القضاء ومن المناسب أن نتعرض كذلك لموقف القانون المصري من ذلك .
يسير الوضع في مصر على عدم تولي المرأة القضاء فهذه المهمة قاصرة هناك على الرجال دون النساء فلا توجد المرأة في منصب القضاء سواء كان هذا القضاء هو القضاء العادي أم القضاء الإداري كذلك لا تتولى المرأة مهمة النيابة العامة في مصر حيث تعتبر النيابة العامة من الهيئات القضائية هناك ويتم النقل منها وإليها من منصب القضاء وهذا الواقع العملي مستقر عليه في مصر منذ زمن بعيد ولن يشهد له استثناء فلم يثبت أن تولت امرأة مهمة القضاء في مصر في العصر الحديث وإذا ماجئنا إلى أساس هذا الواقع المصري ، نجد أن الفقه هناك لم يتفق في شان تبريره لتولية المرأة منصب القضاء لذلك انقسم إلى اتجاهين : أحدهما نجده موافقاً للدستور والأخر نجده مخالفاً للدستور ويدعوا إلى العدول عن تولي المرأة القضاء .
فالاتجاه الأول هو اتجاه غالبية الفقه في مصر الذين يرون أن المرأة مثل الرجل ولها الحق في تولي القضاء استنادا لمبدأ المساواة بينهما .
في المادة 40 منه ، حيث تنص على أن ( المواطنين لدى القانون سواء ، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة لا تمييز بينهما في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة ) .
وعلى ذلك ينتهي هذا الاتجاه أن الشرع لم يشترط أن يكون القاضي رجلاً ، فهو بذلك لم يمنع المرأة من تولي القضاء انطلاقا من مبدأ مساواة الرجل بالمرأة ، خاصة بعد أن استقر الفقه الحديث أن القضاء وظيفة عامة (43) . [43]
بينما يوجد اتجاه أخر يرى أن ما عليه الواقع المصري من عدم تولي المرأة مهمة القضاء هو موافق للدستور من ناحية، ويتفق مبادئ الشريعة الإسلامية الغراء من ناحية أخرى .
فهو يبرر ذلك الواقع بقوله : أن المادة الثانية من الدستور تقول أن : ( الإسلام دين الدولة ، واللغة العربية لغتها الرسمية ، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع ).
والإسلام دين الفطرة السليمة جعل للمرأة مجالاً ، وجعل للرجل مجالاً أخر ومن هنا فقد أصبح متصوراً أن تقصر الدولة بحالات معينة – من الوظائف العامة – على الرجال وحدهم ومن ذلك فإنها تتمتع بسلطة تقديرية لا يحدها سوى وجود عيب الانحراف بالسلطة .
والاتجاه الأخير هو الذي أيده القضاء الإداري في مصر . فقد قضت محكمة القضاء الإداري – وهي يومئذ العضو الوحيد في مجلس الدولة المصري .
بأنها لا تستطيع أن تتدخل في تقدير الحكومة إذا منعت أنسة من تولي إحدى وظائف القضاء ، وعلى هذا فإن القانون المصري لا يسمح للمرأة بتولي القضاء أخذاً بمبادئ الشريعة الإسلامية الغراء في ذلك .
المطلب الخامس: النظام الإسلامي في اختياره القضاة
قلنا أن القضاء ضروري للناس وهم في حاجة إليه ، لذلك لم يخل مجتمع قط من جهة تقضي بين الناس على أي نحو من أنحاء الحكم والقضاء ، وسبب ذلك أن الظلم في الطباع فلا بد من حاكم ينصف المظلوم من الظالم .
وإذا كان القضاء مما يحتاجه الناس في كل مجتمع ، سواء أكان مجتمعاً إسلامياً أو غير إسلامي لهذا أمر الإسلام بالقضاء قال تعالى(وإن احكم بينهم بما أنزل الله )(44) [44]
وباشره النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه الشريفة حيث قضى في خصومات الناس في المجتمع المكي والمجتمع المدني .
مع علمنا أن المجتمع الإسلامي في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم هو خير المجتمعات الإسلامية على الإطلاق، ومع كل ذلك وقعت فيه مخالفات للقانون الإسلامي لأن المسلم غير معصوم من الوقوع في المعصية ومخالفة القانون الإسلامي مهما بلغ عمق إيمانه وصفاء إسلامه .
فكان النبي صلى الله عليه وسلم بذلك أول قاضِ في الإسلام مستنداً في قضائه على الوحي الرباني المتلو ، وهو القرآن وغير المتلو وهو السنة النبوية أو اجتهاده وهو ضرب من الوحي (45) . [45]
وكان قضاء الرسول e مقترناً بالتنفيذ الذي لا حاجة معه إلى الاستئناف كما جاء في قوله تعالى(فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت وليسلموا تسليماً ) (46) [46]
ثم عهد به بعد انتشار الدعوة الإسلامية إلى غيره من صحابته المعروفين بكفاءتهم ضمن توليتهم الشؤون العامة .
فقد بعث صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى اليمن قاضياً وقال له إذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضين حتى تسمع من الأخر كما سمعت من الأول فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء .
وبعث أيضا معاذ بن جبل قاضياً إلى اليمن وبعث عتاب بن أسيد قاضياً إلى مكة (47) . [47]
ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبدأ عهد الصحابة بخلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، تولى بنفسه سلطة القضاء، وعهد بها إلى غيره ولكن لم يجعلها لأحد ولاية عامة بمفردها ، متبعاً في ذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وبدأ فصل ولاية القضاء عن ولاية الإدارة أو الشؤون العامة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه نتيجة اتساع الدولة الإسلامية وتشعب أعمال الولاة والذي حال بينهم وبين التفرغ للقضاء . وأصبح للقضاء في عهد عمر بن الخطاب t ولاة يزاولونه، ولا يزاولون غيره من أعمال الحكم أو الإدارة وجعل من ولاية القضاء ولاية مستقلة . وكان بذلك الخليفة عمر رضي الله عنه أول من عين القضاة في الأمصار الإسلامي ، أما مباشرة كما فعل بالنسبة لشريح الكندي بالكوفة وأبي الدرداء ثم يزيد بالمدينة وأما من الوالي بتفويض من الخليفة عمر كما حدث بالنسبة لعثمان بن قيس بن أبي العاص الذي عينه عمر بن العاص والي مصر قاضياً بها كما تولى أبو موسى الاشعري قضاء البصرة (48) [48] لذا نجد أن هؤلاء القضاة الذين اختارهم الرسول صلى الله عليه وسلم هم من خيرة الصحابة لمعرفته بهم معرفة سواء في التقوى أو العدالة أو الأمور السياسية أو العلم أو الذكورة أو غيرها من الصفات الأخرى التي علمها رسول الله e فيمن اختاره . وقد منع رسول الله e بعض الصحابة الذين طلبوا الولاية مع العلم بأنهم من السابقين في الإسلام أما لضعفه أو لعدم خبرته ومعرفته بالأمور القضائية أو السياسية ونلاحظ ذلك واضحاً عندما منعها أبا ذر الغفاري t فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا ذر إن فيك ضعف فلا نولينك على اثنين وفي رواية :لا تولى على اثنين ولا تولي على مال اليتيم وفي رواية إياك والإمارة(49) [49] مع علمنا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مدحه في زهده وصدقه فقال صلى الله عليه وسلم : ما أظلت السماء ولا أظلت البطحاء أصدق لهجة من أبي ذر .
وقد ذكر أبو موسى الأشعري (رضي الله عنه) قال : دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم – أنا ورجلان من بني عمي فقال أحدهما ، يا رسول الله أمرنا على بعض ما ولاك الله تعالى ، وقال الأخر مثل ذلك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أنا والله لا نولِ هذا العمل أحداً سأله أو أحداً حرص عليه (50) [50] . وهؤلاء القضاة جميعاً اعتمدوا في استنباط أحكامهم على القرآن والسنة والإجماع والقياس والمصادر التبعية الأخرى وهذه هي مصادر التشريع الإسلامي التي يمكن الاستعانة بها في استنباط الأحكام .
ثم إن الشروط التي اشترطها الفقهاء المسلمون فيمن يولي القضاء متأسين برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالخلفاء الراشدين رضي الله عنهم .
هي أدق الشروط وأفضلها واصلح السبل إلى معرفة من يصلح للقضاء .
وقد سار الصحابة رضي الله عنهم على سنة رسول الله صلى عليه وسلم ثم جاء من بعدهم التابعون ووضعوا شروطاً لا اختيار من يصلح للقضاء واضعين أمامهم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين مطبقين قوله صلى الله عليه وسلم ( لقد تركت فيكم اثنتين ما أن تمسكتم بهما لن تظلوا من بعدي أبداً كتاب الله وسنتي ) أو قوله صلى الله عليه وسلم : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجد .
وسنأتي إلى ذكر هذه الشروط التي وضعها الفقهاء المسلمون تفصيلاً مع بيان المسائل الخلافية .
المطلب السادس : شروط القاضي عند الفقهاء
قال الفقهاء : يشترط فيمن يولى القضاء أن يكون بالغاً عاقلاً حراً مسلماً عدلاً مجتهداً ذكراً سليم الحواس، مع شروط أخرى ذكروها .
والواقع أن هذه الشروط ليست كلها محل اتفاق بين الفقهاء ففي بعضها شيئ من الاختلاف سنشير إليها عند شرح الشروط .
الشرط الأول : البلوغ والعقل والحرية
إن وظيفة القضاء تحتاج إلى العقل الناضج المدرك ولا يأتي هذا قبل البلوغ وينعدم قطعاً مع الجنون فمن البديهي إذاً اشتراط البلوغ والعقل بل أن بعض الفقهاء لم يكتفِ بمجرد العقل الذي يتعلق به التكليف، بل قال هذا البعض من الفقهاء ( ينبغي أن يكون من يتولى وظيفة القضاء صحيح الفكر، جيد الفطنة ، بعيداً عن السهو والغفلة يتوصل بذكائه إلى وضوح المشكل وحل المعضل (51) [51]
أما اشتراط الحرية فلأن القضاء من باب الولايات ، وليس للعبد أهلية لأدنى الولايات فلان لا يكون أهلاً لولاية القضاء وهي أعلى من غيرها ، أولى.
الشرط الثاني: الإسلام
أما اشتراط الإسلام فمرده أن القضاء ولاية ولا تجوز ولاية الكافر على المسلم لقوله تعالى : ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً (52) [52] .
وقوله تعالى : ( يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض )(53) [53] .
وقوله تعالى : ( لا يتخذ المؤمنين الكافرين أولياء من دون المؤمنين)(54) [54]
ثم إن القاضي يطبق أحكام الشريعة الإسلامية وهي دين وتطبيق الدين يحتاج إلى إيمان به من قبل أن يطبقه ، وخوف من الله يمنعه من الحيدة من التطبيق السليم لأحكامه ، ولا يتأتى ذلك من غير المسلم الذي لا يؤمن بهذا الدين وهو الإسلام بل ربما يحمله كفره بالإسلام على تعمد مخالفة أحكامه أو العبث بها ولا خلاف بين الفقهاء في اشتراط الإسلام فيمن يتولى القضاء .
وأما تولية القضاء لغير المسلم على غير المسلمين فقد منعها ولم يجزها جمهور الفقهاء لأن شرط الإسلام عندهم،شرط ضروري لا بد منه فيمن تولى القضاء سواء كان قضاؤه على المسلمين أو على غير المسلمين (55) . [55]
وذهب الحنفية إلى جواز تقليد الذمي (وهو غير مسلم) القضاء على أهل الذمة وعللوا ذلك بأن أهلية القضاء بأهلية الشهادة ، والذمي من أهل الشهادة على الذميين فهو إذاً أهل لتولي القضاء عليهم وكونه قاضياً خاصاً بهم لا يقدح في ولايته كما لا يضر، تخصيص القاضي المسلم بالقضاء بين أفراد جماعة معينة من المسلمين (56) . [56]
والراجح : هو قول الجمهور ، فلا يجوز أن يتولى سلطة القضاء في دار الإسلام إلا المسلم ، سواء كان قضاؤه على المسلمين أو على غير المسلمين للأسباب التالية:
القانون الإسلامي، هو دين كما قلنا ولا يصلح لتطبيقه إلا المؤمن به وهو المسلم .
إن دار الإسلام تقوم على مبدأ وحدة القانون ووحدة جهة القضاء ، والقانون الواجب التطبيق الذي تطبقه جميع المحاكم في دار الإسلام هو القانون الإسلامي .
إذا أجزنا لغير المسلم بأن يتولى القضاء فبأي قانون يحكم ؟
إذا قلنا يحكم بقانون ديانته بالنسبة لغير المسلمين كنا بهذا القول قد خرجنا على مبدأ وحدة القانون في دار الإسلام، وخرجنا أيضاً على وحدة القضاء إذا تعددت جهات القضاء فتكون بعضها للمسلمين وبعضها لغير المسلمين ، وإذا قيل أن الذمي يحكم بالقانون الإسلامي قلنا أن الذمي لا يصلح لهذا التطبيق لأنه يكفر بالإسلام ولا يؤمن به ديناً وكفره هذا قد يحمله على مخالفته .
ثم إذا أجزنا لغير المسلم بأن يتولى القضاء فما هي الشريعة الخاصة التي يطبقها إذا كان الطرفان المتنازعان مختلفي الملة والمذهب والطائفة كأن يكون أحدهما مسلماً والأخر ذمياً أو يكون أحدهما مسيحياً والأخر يهودياً.
اعتراض ودفعة : قد يقال ان مراعاة أهل الذمة فيما يعتقدونه من أمور ديانتهم، كالنكاح وغيره هذه المراعاة تقتضي أن يتولى القضاء فيما بينهم فتعين الدولة قاضياً منهم ليقضي في قضاياهم لاسيما وإن القاعدة الفقهية تقول: (أمرنا بتركهم يدينون ) وهي قاعدة اخذ بها الفقهاء.
والجواب : إن مراعاة أهل الذمة في مناكحاتهم وما يعتقدونه من أمور دياناتهم مكفولة في الشريعة الإسلامية على ضوء ما يدينون به والى الحد الذي تراه الشريعة الإسلامية جديراً بالرعاية ، ولكن لا تلزم هذه الرعاية تولية القضاء لغير المسلم ولو كان قضاؤه على أهل ملته لما قلنا سابقاً .
وأما قاعدة (أمرنا أن نتركهم وما يدينون ) فهي لا تقتضي توليتهم القضاء ولا تعني هذا المعنى ، وإنما تعني عدم التعرض لعقيدتهم وما يدينون به وعدم إكراههم على اعتناق الدين الإسلامي .
ويلاحظ هنا أن الشريعة الإسلامية قدرت لهم أحكاما موضوعية يطبقها القاضي المسلم باعتبارها جزءاً من القانون الإسلامي واستمدها منه مباشرة ولا يطبقها باعتبارها جزءاً من قانون ديانتهم (57) [57]

الشرط الثالث: العدالة
قال في المغني :ولا يجوز تولية فاسق ولا من فيه نقص يمنع الشهادة (58) [58] وهذا قول الجمهور لقوله تعالى ( يا أيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على فعلتم نادمين ) (59) [59] .
فأمر ربنا بالتبين عند قول الفاسق ولا يجوز أن يكون الحاكم مما لا يقبل قوله ويجب عند التبين عند حكمه ، و لأن الفاسق لا يجوز أن يكون شاهداً فلئلا يكون قاضياً أولى .
وقال فقهاء الحنفية : العدالة ليست شرطاً لتولي القضاء ، وإنما هي شرط الكمال فيجوز تولية الفاسق القضاء، وتنفذ أحكامه إذا لم يجاوز فيها حدود الشرع ، وحكى أيضاً عن الأصم جواز تولية الفاسق القضاء وأحتج لرأيه بما روى عن رسول الله e إنه قال : سيكون بعدي أمراء يؤخرون الصلاة عن أوقاتها فصلوها لوقتها واجعلوا صلاتكم معهم سبحه (60) [60] .
الشرط الرابع: الاجتهاد
واشترطوا في القاضي أن يكون مجتهداً ، وبهذا قال الإمام مالك والشافعي والحنابلة وبعض الحنفية واحتجوا لذلك بما يلي :
إن القضاء أكد من الإفتاء ، والمفتي لا يجوز أن يكون عاميا مقلداً فالقاضي أولى أن لا يكون مقلداً .
واحتجوا أيضاً بقوله تعالى : وإن احكم بينهم بما أنزل الله (61) [61] .
وما انزل الله يعرفه العالم المجتهد لا المقلد .
وبقوله تعالى : لتحكم بين الناس بما أراك الله وبقوله تعالى : فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول (62) . [62]
وروى عن بريده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : القضاة ثلاثة إثنان في النار، وواحد في الجنة رجل علم الحق فقضى به فهو في الجنة ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار والعامي يقضي على جهل .
ومن شروط الاجتهاد معرفة ستة أشياء: الكتاب والسنة والاجماع والاختلاف والقياس ولسان العرب (63) [63]
وقال فقهاء الحنفية: الاجتهاد ليس شرطاً لتولي القضاء لا يمكن للقاضي غير المجتهد أن يقضي بعلم غيره أي بالرجوع إلى فتوى غيره من العلماء ولان الغرض من القضاء فصل الخصومات فإذا امكن ذلك بالتقليد جاز وهو يمكن بالرجوع إلى فتاوى العلماء وأقوالهم .
وقال بعض العلماء يجوز تقليد القضاء للمقلد عند الضرورة فيقضي بفتوى غيره الذي قلده أو المشهور عن مذهب ولكن وجد المجتهد فلا يجوز تولية المقلد لأنه لا ضرورة لتوليته مع وجود المجتهد وهذا القول هو الذي نرجحه.
الشرط الخامس: الذكورة
وهذا الشرط سنفرد له بحثاً خاصاً حيث أنه موضوع بحثنا .
الشرط السادس : سلامة الحواس
اشترطوا في القاضي سلامة الحواس فقالوا يجب أن يكون متكلماً سميعاً بصيراً أي في كمال الخلقة لأن الأخرس لا يمكنه النطق بالحكم ولا يفهم جميع الناس إشارته ، والأصم لا يسمع قول الخصمين ، والاعمى لا يعرف المدعي ولا المدعي عليه والمقر من المقر له والشاهد من المشهود له (64) . [64]
وقال بعض الشافعية : يجوز أن يكون أعمى لأن شعيباً كان أعمى ولهم في الأخرس الذي تفهم إشارته وجهان (65) . [65]
وقال المالكية : لو ولي الاعمى والأصم القضاء وأصدروا أحكاماً فإن أحكامهم تنفذ، ولكن يجب عزلهم (66) [66]
ومعنى ذلك أن المالكية يشترطون سلامة الحواس في القاضي .فقد قال الفقيه الباحي :وإما أن يكون بصيراً فلا خلاف نعلمه بين المسلمين في المنع من كون الأعمى حاكماً وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وقد بلغني ذلك عن مالك واستدل على ذلك بما استدل به الحنابلة في المغني .
الشرط السابع : قال الفقهاء ينبغي أن يكون القاضي قوياً من غير عنف ٍ ليناً من غير ضعف لا يطمع القوي في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله ، ذا فطنة وتيقظ لا يؤتى من غفلة ، عفيفاً ورعاً بصيراً بعيداً عن الطمع .
ولا شك أن هذه الشروط لازمة للقاضي ولازمة للجهة التي تعين القضاة وتختارهم(67) [67] .
وأما في كتاب أدب القضاء فقد عد شرائط القضاء عشرة وهي :
الإسلام ، الحرية، الذكورة، التكليف، العدالة، البصر، السمع، النطق، الكتابة، العلم بالأحكام الشرعية .(68) [68]
وأما ابن رشد فقد بين الصفات المشترط فيمن يجوز قضاؤه بقوله : أن يكون حراً مسلماً بالغاً ذكراً عاقلاً عدلاً (69) [69]
المبحث الثالث: ولاية المرأة القضاء
بينا فيما سبق أكثر الشروط المتفق عليها أو المختلف فيها والتي يجب توفرها فيمن يولي القضاء ، وبقي لدينا شرط الذكورة وبصيغة أخرى (مسألة جواز تولية المرأة القضاء) وهو موضوع بحثنا الدقيق لذا أفردته بمبحث خاص به فالذي ينظر في كلام الفقهاء وآرائهم بخصوص هذه المسألة يجد أن كلامهم وآرائهم تتلخص بثلاثه مذاهب :
المذهب الأول : المنع مطلقاً من تولية المرأة القضاء حملاً على الإمامة العظمى وهو رأي الجمهور كما ذكره الماوردي في كتابه الأحكام السلطانية .
المذهب الثاني : الإباحة المطلقة لقضاء المرأة وهو مذهب ابن جرير الطبري ورأي ابن حزم وابن طراز الشافعي .
المذهب الثالث : الإباحة المقيدة قياساً على الشهادة وهو رأي أبي حنيفة وسوف احاول توضيح وتفصيل كل مذهب مع بيان الأدلة والمراجع.
المذهب الأول :
ما رآه جمهور الفقهاء القدامى من الشافعية والمالكية والحنابلة (70)والزيدية [70] من عدم جواز قضاء المرأة مطلقاً بأي شيء كان .
ومن المحدثين رفاعة الطهطاوي ولجنة الإفتاء في الأزهر وجمال الدين الأفغاني(71) [71] ومصطفى السباعي وغيرهم .

واستدلوا بأدلة من الكتاب والسنة والعقل وهي كالأتي :
دليل الكتاب :
أولاً: قوله تعالى ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من أموالهم ) (72) [72] .
فالآية الكريمة أثبتت قوامة الرجل وولايته على المرأة في المسائل المهمة في الحياة والتي فيها التزويج والطلاق والإنفاق والجهاد وما شاكل ذلك ، وفي قضاء المرأة وفصلها بين الخصوم نوع قوامه وولاية فيها على الرجال يخالف الآية المذكورة التي فسر البعض معنى التفضل منها بقوله (يعني في العقل والرأي) فلم يجز أن يقمن على الرجال(73) [73] .
ثانياً : قوله تعالى (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة)(74) [74] .
فبعد أن أثبتت الآية أن لكل من الطرفين حقوق وواجبات تجاه الأخر أثبتت درجة الرجال وتفوقهم على النساء فيما ذكرنا طرفا منه سابقا ، فيكون تبوء المرأة لمنصب القضاء منافياً لتلك الدرجة التي أثبتها النص القرآني المذكور ، لأن القاضي يفصل بين المتخاصمين أو يبت في مسألة ما لا يقدر على ذلك الا بواسطة تلك الدرجة التي منحت له فيصير بذلك قائما في مجال القضاء على غيره من الرجال والنساء ، لذا يكون قضاء المرأة منافياً لتلك الآية ويصير بذلك ممنوعاً شرعاً .
دليل السنة:
أ- ما رواه أبو بكرة عن رسول اللهe قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ) (75) [75] .
ومن المعلوم أن القضاء وهو عين الولاية لكنه ولاية صغرى والمرأة لا تصلح للإمامة العظمى أي رئاسة الدولة ولا الولاية على البلدان والرسول e لم يقصد بهذا الحديث مجرد الأخبار عن عدم فلاح القوم الذين يولون المرأة أمرهم بل قصد بذلك أن عدم الفلاح ملازم لتولية المرأة أمراً من أمورهم وهذا المنع عام يشمل جميع أنواع الولايات العامة بما في ذلك الامامه الكبرى ، والقضاء ،وقيادة الجيوش وما إليها ، وليس هذا المنع بحكم تعبدي يقصد به مجرد امتثاله دون ان تعلم حكمته بل هو من الأحكام المعللة بمعان لا يجهلها الواقفون على الفروق الطبيعية في الرجل والمرأة. وهذا الحكم لم ينط بشيء غير (الانوثه) التي جاءت كلمة (امرأة) في الحديث عنوانا لها ، إذا فالانوثه وحدها هي العلة في منع قضاء المرأة وعلل بعضهم المنع في الحديث بقوله : وذلك لنقصها وعجز رأيها ، ولان الوالي مأمور بالبروز للقيام بأمر الرعية والمرأة عورة لا تصلح لذلك فلا يصح أن تولى الإمامة او القضاء (76) . [76]
ب- وعن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (القضاء ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار، فأما الذي في الجنة ، فرجل عرف الحق فقضى به، ورجل عرف الحق وجار في الحكم فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار)(77) [77]
والحديث واضح للدلالة على اشتراط كون القاضي رجلاً ، لأنه صلى الله عليه وسلم حينما ذكر القضاة بأنهم ثلاثة فصلهم بقوله : رجل في المرات الثلاث ولم يترك القول : بما يدل على الرجل والمرأة كالأول والثاني والثالث لذا يكون الحديث بهذا نصاً على لزوم كون القاضي رجلاً لا إمراة .
جـ – ولو نظرنا في الأحاديث التي جاءت عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بخصوص القضاء سواء كانت بمنع طلب القضاء أو بعدم تولية الضعيف أو التشديد بالولاية وما يخش على من لم يقم بحقها نجدها كلها تخص الرجال وكلها تتحدث عن الرجل وتوليته القضاء واليك بعضاً منها :
قال e لا يحل لثلاثة يكون بقلاة إلا أمروا عليهم أحدهم .
قال e إنا والله لا نولي هذا العمل أحداً يسأله أو أحداً حرص عليه (78) [78] ، وعنه صلى الله عليه وسلم انه قال : من سأل القضاء وكل إلى نفسه ومن جبر عليه ينـزل عليه ملك يسدده (79) . [79]
وعنه e من طلب قضاء المسلمين حتى يناله ثم غلب عدله جوره فله الجنه ومن غلب جوره عدله فله النار.
وقوله e من جعل قاضياً بين الناس فقد ذبح بغير سكين وقوله e لتأتين على القاضي العدل يوم القيامة ساعة يتمنى أنه لم يقضِ بين اثنين في تمرة .
وقوله e إن الله مع القاضي ما لم يجر فإذا جار وكله الله إلى نفسه .
فجميع هذه الأحاديث تدل دلالة واضحة على أن القضاة ينبغي أن يكونوا من الذكور وهو ما اشترطه جمهور الفقهاء .
الدليل الثالث : الإجماع
لم ينقل عن رسول الله e ولا عن أحدٍ من خلفائه الراشدين من بعده أنهم ولوا امرأة قضاءاً أو ولاية بلد ، ولو جاز ذلك لوقع مرة واحدةً ولم يخل منه جميع البلدان غالباً وهذا يعتبر إجماع على عدم صلاحية المرأة لتولي القضاء .
الدليل الرابع: العقل
قياس القضاء في منع المرأة منه على الإمامة الكبرى، بجامع كونهما من الولايات العامة التي يشملها حديث (لن يفلح قوم … الخ ) . وقال الماوردي :ولأنه لما منعها (نقص الأنوثة )من إمامة الصلوات مع جواز إمامة الفاسق ،كان المنع من القضاء الذي يصح من الفاسق أولى ولأن نقص الأنوثة يمنع من إنعقاد الولايات كإمامة الأمة ))
وقال ابن قدامه : ولأن القاضي يحضر محافل الخصوم والرجال ويحتاج فيه إلى كمال الرأي وتمام العقل والفطنة ، والمرأة ناقصة العقل قليلة الرأي وليست أهلاً للحضور في محافل الرجال ، ولا تقبل شهادتها ولو كانت معها ألف إمرأة ما لم يكن معها رجل وقد نبه الله سبحانه وتعالى على ظلالهن ونسيانهم بقوله تعالى (( أن تضل أحداهما فتذكر إحداهما الأخرى)) . علماً بأن المرأة ممنوعة شرعاً من مجالسة الرجال منعاً من الفتنة ، بسبب هذه المخالطة لا ضرورة لها (80) . [80]
وقال القاضي ابو الوليد : ودليلنا من جهة المعنى أنه أمر يتضمن فصل القضاء فوجب أن تنافيه الأنوثة الإمامة ، ويكفي في ذلك عندي عمل المسلمين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لا نعلم أنه قدم لذلك في عصر من الإعصار ولا بلد من البلدان امرأة كما لم يقدم للإمامة امرأة والله أعلم وأحكم(81) . [81]
ونزيد على ذلك من وجهة النظر الواقعية : أن القاضي ملزم بالعمل طول العام إلا ما يمنح من أسابيع معدودة في عطلة الصيف فإذا كانت المرأة قاضية أو وكيل نيابة فما تفعل ؟ في أيام حيضها وهو يدركها كل شهر اسبوعاً ، وكل إنسان يعرف ضعف الحالة النفسية التي تكون عليها المرأة حين يأخذها الطمث وماذا تفعل في أواخر شهور الحمل إذا كانت قاضية وهي لا تستطيع أن تنتقل إلى مكان حادثة مفاجئة لكشف الجريمة واستخبار الشهود، علماً قد يستغرق هذا العمل منها ساعات طوال تصل إلى عشرين ساعة،وماذا تفعل أيضاً إذا وضعت حملها وانقطعت من العمل مدة الولادة والنفاس، فإذا كان هذا شانها طوال العام ، إجازة للولادة ، إجازة للحمل في الشهور الأخيرة ،إجازة للمرض والتضرر ، إجازة للرضاعة والحضانة، فهذا يولد ضجراً منغصاً لا تأتي معه سلامة القضاء بين الناس على احسن حال لذلك من الضروري الاستغناء عن خدماتها حتى لا تضار (82) [82] مصالح الناس بالتعطيل المتواصل، والأخطاء المحتملة المتوقعة .
المذهب الثاني : الإباحة المطلقة لقضاء المرأة في جميع الأحكام فقد ذهب إلى هذا الرأي الامام محمد بن جرير الطبري ومحمد بن الحسن الشيباني وابن حزم الظاهري وابن طراز الشافعي وابن القاسم ورواية عن الإمام مالك ومن المفكرين المحدثين القائلين بهذا المذهب محمد المهدي الحجوي ومحمد عزه دروزه ونادرة شنن(83) [83] واستدلوا برأيهم بما يأتي :
الدليل الأول :
ماروي عن عمر بن الخطاب t إنه ولى الشفاء بنت عبد الله العدوية (امرأة من قومه) السوق ، وكما هو معروف أن رقابة السوق والتي هي الحسبة ، تتعلق بالقضاء كل التعلق بجانب كونهما من الولايات العامة التي ينيطها أمام المسلمين أو نائبة إلى أشخاص معروفين بالعلم والعدل وسائر الأخلاق الفاضلة للحفاظ على حقوق الناس ومصالحهم لذا فإن ما صلح أن يكون دليلاً على شرعية قيام المرأة بوظيفة الحسبة صلح أيضاً دليلاً على جواز تولية المرأة منصب القضاء.

الدليل الثاني:
إن المرأة يجوز فتياها إذاً جاز قضاؤها قياساً لأن مدار القياس في الشريعة الإسلامية على العلة – وبما أن في صحة فتوى المرأة هو العلم التام بما تسأل عنه فكذلك صحة قضائها متوقفة على العلم الوفير للأحكام الشرعية (84) . [84]
الدليل الثالث :
ولكون الغرض سن الأحكام تنفيذ القاضي لها وسماع البينة عليها ، والفصل بين الخصوم منها ، وذلك يمكن من المرأة كإمكانة من الرجل لذا فإن حكم قضاء المرأة هو الجواز كقضاء الرجل مطلقاً .
الدليل الرابع :
حديث الرسولe (لن يفلح قوم ...الخ) ليس بينه وبين منح المرأة حق القضاء تعارض حيث أن الحديث إنما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمر العام الذي هو الخلافة بدليل قوله صلى الله عليه وسلم (المرأة راعية عن مال زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها ) وقد أجاز المالكيون أن تكون المرأة وصية ووكيله ولم يأتِ نص من منعها ان تلي بعض الأمور (85) . [85]
المذهب الثالث : (جواز قضاء المرأة في كل شيء إلا في الحدود والقصاص) (وهو رأي الحنفية) (86) . [86]
حيث يرون صحة قضائها في كل ما تقبل فيه شهادتها وهي مقبولة عندهم فيما عدا الحدود والدماء ، لذا فإن ما يصلح دليلاً على صحة شهادتها يصلح دليلاً على صحة قضائها وذاك لما يلي :-
إن حكم القضاء يستقي من حكم الشهادة لأن كل واحد منهما من باب الولاية فكل من كان أهلاً للشهادة، يكون أهل للقضاء، وما يشترط لأهلية الشهادة يشترط لأهلية القضاء إلا أنهم قالوا بعدم صحة شهادتها في الحدود والدماء فكذلك لا يصح قضاؤها فيهما .
كما أن الادلة التي أستدل بها أصحاب المذهب الثاني في الإباحة المطلقة نقلاً وعقلاً تصلح ايضاً لتكون أدلة على الإباحة المقيدة التي أرتأها الحنفية فيما عدا الحدود والدماء (87) . [87]
ثم إن فصل الخصومات من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولم يشترطوا في ذلك الذكورة ، فإن المعول على الشريعة المطهرة الثابتة بالحكم لا على الحاكم بها وقد قالe لن يفلح قوم …الخ) قال ذلك لما ولي جماعة الملك كسرى ابنته من بعد الملك أي أن المهم في موضوع القضاء والفصل بين الخصوم ، هو العمل بموجب الشريعة المطهرة، دون الإلتفاف إلى الشخص القائم بذلك العمل بعد توفر شروط الإسلام والعلم والعدل لانه لا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة مادام بإمكان أي واحد منهما الوصول إلى كنف الحقيقة وحفظ الحقوق . وعمل القاضي لن يكون مع وجود القانون أكثر من إصدار الحكم النهائي الذي يلائم ماوصل اليه التحقيق من إثبات او شبهة أو نفي او براءة .
المناقشة والترجيح
مناقشة أدلة المذهب الاول:
1- الدليل الأول : (الرجال قوامون على النساء .. الخ ) لا تعارض بين هذه الآية وقضاء المرأة لأن الآية نزلت بخصوص جواز تأديب الرجل لزوجته وإنفاقه عليها ، وتقديم المهر لها وكفايته إياها سائر متطلباتها المعيشية والأدبية ، وقد وضحها المفسرون من هذا المنطلق. فقد قال الطبري في تفسيره حول الآية الكريمة : أي أن الرجال أهل قيام على نسائهم في تأديبهن والاخذ على أيديهن فيما يجب عليهن لله ولأنفسهن : (بما فضل الله بعضهم على بعض) : يعني بما فضل الله به الرجال على أزواجهم من سوقهم إليهن مهورهن وإنفاقهم عليهن أموالهن وكفايتهم إياهن مؤنتهن وذلك تفضيل الله تبارك وتعالى إياهم عليهن ولذلك صاروا أقواماً عليهن نافذي الامر عليهن فيما جعل الله إليهم من أمورهن.ثم أورد الطبري رواية عن ابن المبارك قال : سمعت سفيان يقول : بما فضل الله بعضهم على بعض : قال بتفضيل الله الرجال على النساء وذكر ان هذه الآية نزلت في رجل لطم إمرأته فخوصم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى لها بالقصاص فانزل الله الآية ثم أكدها برواية أخرى عن محمد بن الحسين تؤيد الرواية الأولى التي أوردها عن ابن المبارك ، ونقل قول الزهري : ليس بين الرجل وإمرأته قصاصاً فيما دون النفس لذا لا نجد في الآية دلالة قطعية في منع المرأة من القضاء .

2- الدليل الثاني : اما الدليل الثاني بقوله تعالى (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة )فهي لا تصلح أن تكون دليلاً فهي واردة وسط آيات تتعلق بالإيلاء والطلاق والعدة وزيادة درجة الرجل بعقله وقوته على الإنفاق والدية والميراث والجهاد .
أما أدلتهم من السنة المطهرة فالحديث الأول من قوله صلى الله عليه وسلم (لن يفلح قوم ولوا … الخ ) هذا الحديث ورد عنه e لما بلغه أن أهل فارس ملكوا عليهم بنت كسرى ، وأنه e قصد به معنى الإمامة العظمى (والله أعلم )وعلى ذلك تقتصر دلالة الحديث ، فلا تشمل الولايات الأخرى كالقضاء أو الحسبة أو الوزارة بمفهومها الحديث .
وأما دليلهم من المعقول بقياس القضاء على الرئاسة العامة في منع المرأة عنها فلا نسلم بهذا القياس لأنه لا مناسبة بين الولايتين من حيث السلطة والصلاحيات.
وأما دليلهم بأن المرأة ناقصة عقل قليلة الرأي : فليست هذه الصفة بجميع النساء كما أن كمال العقل وسدادة الرأي لا يتصف بها كل الرجال، والتاريخ يشهد على نبوغ الكثير من النساء في ميادين الحياة بل وصل البعض منهن لدرجة كبيرة من العلم في أمور كثيرة بين الصحابة ، مثال السيدة عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين وغيرها .
وكذلك يرد على قول عدم إمكان البروز منها محافل الرجال ومخالطتهن خوفاً من الإفتتان بها في الوقت الذي يتطلب القضاء مثل المحذور فذلك ليس بمقنع ايضاً بدليل مشاركة النساء ومخالطتهن الرجال في منابع العلم وفي دور العبادة وفي سوح الوغى لإسعاف المقاتلين وتحميهم وفي التجارة في الأسواق فما الفرق بين هذا وبين القضاء ،والقضاء أكثر حرمة من التجارة ، ومجالسة القضاء لا تقل هيبة من مجالس التعليم (88) [88] .
مناقشة أدلة المذهب الثاني :
خبر تولية عمر t (الشفاء) ولاية السوق (الحسبة ) رده الكثير من العلماء منهم القرطبي وابن العربي وغيرهما واعتبراه من دسائس المبتدعة في الأحاديث ، ونهيا عن الالتفاف إليه .
ثم إن إبن حزم حينما ذكر الرواية في المحلى لم يسندها على خلاف صنيعه، وهذا يدل على عدم صحتها .ولان عمر t المعروف بشدته وغيرته على الإسلام والمسلمين وكونه صاحب فكرة الحجاب : فقد ذكر أبو الحسن علي بن أحمد النيسابوري في كتابه أسباب النـزول : إن عمر بن الخطاب t قال لرسول الله e يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر لو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب : فأنزل الله آية الحجاب وهي قوله تعالى : ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المسلمين يدينين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين )(89) [89] .
ولذا فإن الرواية التي ذكرها ابن حزم ليست بصحيحة لأن عمر بن الخطابt كان شديد الغيرة على نساء المسلمين وقد روى عطاء عن ابن عباس أن عمرt رأى جارية من الأنصار متبرجة فضربها وكره ما رأى من زينتها علماً بأنه قد ألزم النساء بأن يسيروا على جوانب الطريق فكيف يولي إمراة ولاية تدعوها إلى الاختلاط مع الرجال ومزاحمتهم. وقوله تعالى في أية الحجاب الثانية ( وإذا سألتموهن متاعاً فأسلوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله)(90) [90] .
لا يقبل قياس قضاء المرأة على جواز تصديها للإفتاء ، وذلك لأن المفتية تستطيع ترك المخالطة للرجال بالحديث من وراء الحجاب ، أو الجواب بواسطة الكتابة ،أو الجواب بواسطة من يحل لها رؤيته كرواية عروة بن الزبير t عن عائشة t وهي خالته في حين يحتاج القضاء للمشاهدة والاختلاط والمداولة مع الخصوم والشهود والقضاة الأخرين والكتبة والمحامين وغير ذلك وكل ذلك محرم على المرأة المسلمة .
لا نسلم كون الغرض من الأحكام تنفيذ القاضي لها وسماع البينة فيها فقط حتى يتخذ هذا دليلاً على صحة قضاء المرأة مادام بإمكانها القيام بذلك بدليل الإمامة الكبرى ، فإن الغرض منها حفظ الثغور وتدوير الأمور وحماية البيضة وقبض الخراج ، ورده على مستحقيه، وذلك لا يأتي من المرأة كتأتيه من الرجل (91) [91] أضف إلى ذلك أن المرأة ملزمة بإبتعادها عن الاختلاط بالرجال خوف الفتنة والدليل على أن الإسلام في سبيل عدم الاختلاط بالرجال لم يفرض على المرأة صلاة الجمعة ولم يوجب عليها صلاة الجماعة، ولا يستحب لها إتباع الجنائز .
وإذا حضرت للصلاة في المسجد وجب عليها أن تقف مع النساء في الصف الأخير خلف الرجال فإذا كان الأمر هكذا في بيوت الله فكيف يجوز الاختلاط في غير أماكن العبادة . وكلنا يعلم أن القاضي في وظيفته يحتاج إلى أعوان يعينونه على تمشية أعمال القضاء وهؤلاء هم الموظفون المستخدمون في دائرة القاضي كما يحتاج القاضي إلى من يستشيرهم من أهل العلم والفقه بالقضايا التي تعرض عليه والأحكام الشرعية المناسبة لها وهذه المشاورة مطلوبة من القاضي وإن كان عالماً ، وعلى هذا النهج جرى الخلفاء الراشدون ومن بعدهم القضاة ، فقد كان سعيد بن إبراهيم قاضي المدينة يجلس بين القاسم وسلام، وهما من فقهاء المدينة يشاورهما في كثير من الأمور ، وعلى القاضي أن يراقب أعوانه الذين أختارهم لمشاورتهم في كثير من الأمور وهم أهل العلم والمعرفة والفقه والمزكون الذين يزكون الشهود لدى القاضي والشهود الذين يشهدون على أقارير الخصوم، والمترجمون الذين يترجمون له أقوال الخصوم والشهود الذين لا يعرف القاضي لغتهم ، لذا وجب على القاضي البروز لهؤلاء حتى يتأكد من وجودهم وعليه مراقبتهم مع بقية الموظفين المعينين من قبل الدولة (السلطة) حتى يطمئن على حسن قيامهم بواجباتهم المناطة بهم .
قال الفقيه السمناني : ( وينبغي للقاضي أن يشرف على كاتبه وأصحابه مسائله وأمنائه) وكل هذا يمكن تأتيه من الرجل بسهوله ولكن يصعب تأتيه من المرأة .
كذلك لا يمكن التسليم لمن يدعي عدم المنافاة بين حديث (لن يفلح قوم ..الخ) وبين جواز تولية المرأة القضاء على أساس أن الرسول e قاله في مناسبة معينة: وهي أنه حينما سمع بتنصيب الفرس (بوران) ملكة عليهم بعد وفاة أبيها (شيرويه بن ابرويز ) كسرى العجم ، لذا لا يشمل الحديث غير الرئاسة العامة وهو مقصور عليها .
وهذا القول مناهظ للقاعدة الأصولية المشهورة لدى علماء المسلمين (أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب والمراد بهذه القاعدة : أن العام يبقى على عمومه وإن كان وروده بسبب خاص كسؤال أو واقعة معينة ، فالعبرة بالنصوص وما اشتملت عليه من أحكام ، وليست العبرة بالاسباب التي دعت إلى مجيء هذه النصوص ، فإذا جاء النص بصيغة عامة لزم العمل بعمومه دون الإلتفاف إلى السبب الذي جاء إليه النص من اجله ، سؤالاً كان هذا السبب أو واقعة حدثت ، لأن مجيء النص بصيغة العموم يعني أن الشارع أراد أن يكون حكماً عاماً لا خاصاً بسببه ، والأمثلة على ذلك كثيرة .

الخاتمة والترجيح :
ومن عرضنا لأراء الفقهاء والمفسرين وأدلتهم يترجح عندنا الرأي الأول وهو منع المرأة من توليتها القضاء وذلك لقوة أدلتهم وملائمتها لمقاصد الشارع الحكيم في هذه الظروف الحياتية المتغيرة ومن باب سد الذرائع لأن في توليتها القضاء طريق لمفسدة لإختلاطها بأجنبي سواء هذا خصماً أو شاهداً أو مشاوراً أو موظفاً في دائرة القضاء ، وقد حرم الإسلام الخلوة بالمرأة الأجنبية لئلا يفضي ذلك إلى محذور ،وأن إكرام الإسلام للمرأة يكون بإعترافه بحقوقها التي تقتضيها أهليتها أو بأبعادها عن مواطن الشبهات ، ومزالق الشهوات حتى تكون لها سمعتها العطرة كفتاة يتزاحم الشباب على الإقتران بها ، وكزوجة يتحدث الناس عن إخلاصها لزوجها واستقامتها، وكأم تعرف كيف تغرس في نفوس أبنائها معاني الشرف والفضيلة والكرامة والرجولة الكاملة أو الأنوثة الفاضلة ، وكل ما يفوت على المرأة هذه الأجواء الكريمة يقصيها الإسلام عنها ولو كانت في ذاتها من أفضل النساء ، فإن ألسنة السوء تتناول الصالحة والطالحة حين التعرض للشبهات ، والنفس أمارة بالسوء ، وطبيعة الرجل إذا ألتقت مع طبيعة المرأة كان فيها ما يكون بين رجل وامرأة من الميل والإنس والإستراحة إلى الحديث والكلام وبعض الشيء يجر إلى الشيء ، وإغلاق باب الفتنة أو الشبهة أحزم وأحكم وأبعد من الندامة في المستقبل وقد فاقت حضارة الإسلام الزاهرة في عهد الرسول e وصحابته الكرام من بعده والتي قامت كل الحضارات في إنسانيتها ونبلها وسموها على الفصل بين الجنسين ، ولم يؤثر هذا الفصل على تقدم الأمة المسلمة وقيامها بدورها الحضاري الخالد في التاريخ ولم ترو لنا كتب السيرة أن أحداً من الخلفاء أستشار امرأة في قضاء وأن حصل ذلك فبواسطة الكتابة أو بواسطة رجل ذي محرم أو طريق أخر لا تظهر المرأة فيه صوتها لأن صوتها عورة كما بين لنا القران ذلك بقوله تعالى : (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء أن أتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفا ، وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ، وأقمن الصلاة وأتين الزكاة وأطعن الله ورسوله ، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجز أهل البيت ويطهركم تطهيرا)ً وقوله تعالى : وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما مر ذلك سابقاً .ويعنينا أن نسجل هنا أن الخلاف بين الفقهاء حول تولية المرأة القضاء لم يتعد مجرد أبداء الرأي ، فلم يرشدنا تاريخ القضاء الإسلامي منذ عهد النبي عليه الصلاة والسلام حتى نهاية الدولة العثمانية أن المرأة أعتلت منصب القضاء .
هذا ونسأل الله أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه أنه سميع مجيب .

منقول

الحاضر
11-12-2007, 01:38 AM
أما في الوقت الحاضر فيبدوا لي واضحا أن القضاء بات لم يصلح للرجال فكيف به للنساء
الحقيقة الأمر مشكل على المجتمع والأمة الاسلامية قضاء ضائع تائه . علينا أن نحسن العمل في أهل القوة والصلابة أولا حتى نستطيع أن ندرب النساء على القضاء بعد ذلك
عموما رأيي الشخصي المقترن بظروف العصر لاأستحسن وجود المرأة في القضاء
ولله الأمر والتدبير

عاشقة الرسول
11-12-2007, 01:42 AM
رائيك على العين والراس يا حاضر

اسعدني رائيك

المدني
11-12-2007, 04:08 AM
ذكر بعضهم في من أجاز تولية المرأة للقضاء أنه لا تعارض بين حديث رسولنا صلى الله عليه و سلم " لا يفلح قوم ... " و بين تولي المرأة للقضاء , أنا برأيي المتواضع أقول بل يوجد تعارض و هو أن الولاية المقصودة هي الولاية العامة و ليست الوكالات الخاصة أو حماية أموال الزوج و القضاء يعتبر ولاية عامة ...
من ناحية أخرى و بكل عقلانية , المرأة مخلوق عاطفي حنون و يتأثر بسرعة فكيف سيبت في المسائل الشائكة و الخلافات العالقة و القضايا الساخنة ..
أنا لست متدينا ً و اتوقع كلنا بالبركة و كذلك لا أنتمي إلى أي تيار و لكن ... يجب علينا أن نحافظ على تكويناتنا الثقافية و الاجتماعية التي رسمها لنا ديننا الحنيف .... و يجب أن يرابط كل منا على ثغره الذي تولاه ...
و لعل لي عودة و تعقيب بشكل أكبر متى ما سنحت لي افرصة
أشكرك عاشقة على ما تبذلينه

عاشقة الرسول
11-12-2007, 04:53 AM
رائيك جميل يا اخونا الدكتور وياريت تشارك فيه في موضوع السيد عبدالله اللى حاطه ركن الحرم

انا حطيت دا الموضوع على اساس موضوع المقابلة مع السيدعبدالله فدعق الله يسعدك يارب



اسعدني مرورك ورائيك يا اخونا مدني