عاشقة الرسول
28-08-2010, 03:16 AM
تقديم المصالح أولى وأجدى
التوازن بين تزاحمات المصالح والمفاسد مهم جداً، والأولى إذا اشتملت الأمور عليهما أن نبحث بعمق عن "الاجتلاب لا الاجتناب"
أحمدُ الله تعالى الذي أكرمنا بالوصول إلى هذه الأيام والليالي الرمضانية الفاضلة, وأنتهز فرصتها الجليلة لأتقدم لكم مجددا بالتهنئة بها, سائلاً المولى أن يجعلها أيام خير وبركة, وأن يعيدكم إلى أمثالها في خير ولطفٍ كاملَيْن. تعتبر قاعدة (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح) أو (درء المفسدة أولى من جلب المنفعة) التي أشهرَها واستخدمها الإمامُ مالك رحمه الله من أهم القواعد الشرعية التي عممها الناس بعده على أحوالهم، مع أنه لم يلزمهم بها ولا بغيرها. ومع أنها قاعدة معتبرة, إلا أنها ليست على إطلاقها. كما أنه غير مستهجنٍ تحويرها تحويراً آخر لتكون: (جلبُ المصالحِ مقدمٌ على درءِ المفاسد). معلومٌ أن جلب المصالح ودرء المفاسد من مباني الشرع الحكيم، وأنه إن تعارضتا، قدمنا درء المفسدة على جلب المصلحة. ولكن إن كان الأمر مشتملاً على مصلحة ومفسدة، وكان جانب الفساد بعيداً أو رجحت المصلحة، فالعمل حينئذٍ بالمصلحة. ومن الأمثلة؛ فاقد الماء والتراب هل يصلي؟ العلماء أجابوا على ذلك بقولهم إن مصلحة الصلاة أعظم من مفسدة عدم الطهارة، وعلى من هذا حاله أداء الصلاة ولو على غير طهارة.
القرآن الكريم مليء بالآيات التي تقدم المأمورات والمصالح على المنهيات والمفاسد. ومنه قوله تعالى: "رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ" ، فقدم المولى سبحانه, كما يقول المفسر الإمام الرازي, المبشرين على المنذرين؛ والتبشير يكون بالأعمال الصالحة والحسنات والجنة، والإنذار عكسه. وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم جاء وقبله الأنبياء جميعاً عليهم السلام، جاؤوا للتأسيس والبناء والتشييد، أي بالمصالح وعمل الصالحات: "مَثَلي ومَثَلُ الأنبياء، كَمَثَلِ رجل بنى بنياناً، فأحسنه وأجمله، فجعل الناس يطيفون به يقولون ما رأينا بنياناً أحسن من هذا, إلا هذه اللبِنة, فكنت أنا تلك اللبنة" متفق عليه. وفي رواية: "فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين". وهو حديث ليس فيه ذكر للمفاسد مطلقاً، وإنما نُص فيه على البنيان والتحسين والتجميل والتتميم، وكل ذلك من المصالح.
يقول الإمام الشاطبي في كتابه الشهير؛ (الموافقات): "إن الأمور الضرورية أو غيرها من الحاجية أو التكميلية، إذا اكتنفتها من خارجها أمورٌ لا تُرضي شرعًا، فإن الإقدام على جلب المصالح صحيح على شرط التحفظ بحسب الاستطاعة من غير حرج". ومن ذلك تغليب مصلحة ابتعاث الطلبة للدراسة في الخارج، رغم ما سيعيشونه سمعاً وبصراً في بيئة قد تختلف عن بيئتهم المحافظة، لأن طلب العلم من أصول الدين، ومن قواعد المصالح. ومنه أيضاً اختيار نوعية الأكل, أفضل من التخمة, ثم البحث بعدها عن المهضمات والعلاجات. غاية ما نحتاجه هو إحسان الظن بهذه النقاشات، وعدم ظن أن هذا نوعٌ من "قلب الطاولة" على المفاهيم الإسلامية، لأن الغرض هو تقليب النظر فيه لا قلبها. ليس القصد إغفال مسألة المفاسد وإخراجَها من الحسبان، فالمفاسد مسألةٌ ضمنية وفرعية وتابعة، والتوازن بين تزاحمات المصالح والمفاسد مهم جداً، والأولى إذا اشتملت الأمور عليهما أن نبحث بعمق عن "الاجتلاب لا الاجتناب"، أي نبحث عن المصالح لا غير. فجلب المصالح هو الأصل، وهو أولى وأجدى، خلافا للسائد. فإعادة ترتيب الأولويات، والتقديم والتأخير بين الاشتغال بتحصيل المصالح، والاشتغال بمحاربة المفاسد، تبدو قضية ملحة وعاجلة، مقتضاها أن نعطي العناية والأولوية للأعمال والمبادرات والمشاريع الإيجابية البناءة والمفيدة، حتى لا يستمر تقديم العربة على الحصان، لأن الأولى أن نوقد شمعة لا أن نسبَّ الظلام، سيَّما أن شتم الظلام يحسنه ويمارسه الأغلبية, والله الموفق, والهادي إلى سواء السبيل.
http://www.alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleID=1955
التوازن بين تزاحمات المصالح والمفاسد مهم جداً، والأولى إذا اشتملت الأمور عليهما أن نبحث بعمق عن "الاجتلاب لا الاجتناب"
أحمدُ الله تعالى الذي أكرمنا بالوصول إلى هذه الأيام والليالي الرمضانية الفاضلة, وأنتهز فرصتها الجليلة لأتقدم لكم مجددا بالتهنئة بها, سائلاً المولى أن يجعلها أيام خير وبركة, وأن يعيدكم إلى أمثالها في خير ولطفٍ كاملَيْن. تعتبر قاعدة (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح) أو (درء المفسدة أولى من جلب المنفعة) التي أشهرَها واستخدمها الإمامُ مالك رحمه الله من أهم القواعد الشرعية التي عممها الناس بعده على أحوالهم، مع أنه لم يلزمهم بها ولا بغيرها. ومع أنها قاعدة معتبرة, إلا أنها ليست على إطلاقها. كما أنه غير مستهجنٍ تحويرها تحويراً آخر لتكون: (جلبُ المصالحِ مقدمٌ على درءِ المفاسد). معلومٌ أن جلب المصالح ودرء المفاسد من مباني الشرع الحكيم، وأنه إن تعارضتا، قدمنا درء المفسدة على جلب المصلحة. ولكن إن كان الأمر مشتملاً على مصلحة ومفسدة، وكان جانب الفساد بعيداً أو رجحت المصلحة، فالعمل حينئذٍ بالمصلحة. ومن الأمثلة؛ فاقد الماء والتراب هل يصلي؟ العلماء أجابوا على ذلك بقولهم إن مصلحة الصلاة أعظم من مفسدة عدم الطهارة، وعلى من هذا حاله أداء الصلاة ولو على غير طهارة.
القرآن الكريم مليء بالآيات التي تقدم المأمورات والمصالح على المنهيات والمفاسد. ومنه قوله تعالى: "رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ" ، فقدم المولى سبحانه, كما يقول المفسر الإمام الرازي, المبشرين على المنذرين؛ والتبشير يكون بالأعمال الصالحة والحسنات والجنة، والإنذار عكسه. وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم جاء وقبله الأنبياء جميعاً عليهم السلام، جاؤوا للتأسيس والبناء والتشييد، أي بالمصالح وعمل الصالحات: "مَثَلي ومَثَلُ الأنبياء، كَمَثَلِ رجل بنى بنياناً، فأحسنه وأجمله، فجعل الناس يطيفون به يقولون ما رأينا بنياناً أحسن من هذا, إلا هذه اللبِنة, فكنت أنا تلك اللبنة" متفق عليه. وفي رواية: "فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين". وهو حديث ليس فيه ذكر للمفاسد مطلقاً، وإنما نُص فيه على البنيان والتحسين والتجميل والتتميم، وكل ذلك من المصالح.
يقول الإمام الشاطبي في كتابه الشهير؛ (الموافقات): "إن الأمور الضرورية أو غيرها من الحاجية أو التكميلية، إذا اكتنفتها من خارجها أمورٌ لا تُرضي شرعًا، فإن الإقدام على جلب المصالح صحيح على شرط التحفظ بحسب الاستطاعة من غير حرج". ومن ذلك تغليب مصلحة ابتعاث الطلبة للدراسة في الخارج، رغم ما سيعيشونه سمعاً وبصراً في بيئة قد تختلف عن بيئتهم المحافظة، لأن طلب العلم من أصول الدين، ومن قواعد المصالح. ومنه أيضاً اختيار نوعية الأكل, أفضل من التخمة, ثم البحث بعدها عن المهضمات والعلاجات. غاية ما نحتاجه هو إحسان الظن بهذه النقاشات، وعدم ظن أن هذا نوعٌ من "قلب الطاولة" على المفاهيم الإسلامية، لأن الغرض هو تقليب النظر فيه لا قلبها. ليس القصد إغفال مسألة المفاسد وإخراجَها من الحسبان، فالمفاسد مسألةٌ ضمنية وفرعية وتابعة، والتوازن بين تزاحمات المصالح والمفاسد مهم جداً، والأولى إذا اشتملت الأمور عليهما أن نبحث بعمق عن "الاجتلاب لا الاجتناب"، أي نبحث عن المصالح لا غير. فجلب المصالح هو الأصل، وهو أولى وأجدى، خلافا للسائد. فإعادة ترتيب الأولويات، والتقديم والتأخير بين الاشتغال بتحصيل المصالح، والاشتغال بمحاربة المفاسد، تبدو قضية ملحة وعاجلة، مقتضاها أن نعطي العناية والأولوية للأعمال والمبادرات والمشاريع الإيجابية البناءة والمفيدة، حتى لا يستمر تقديم العربة على الحصان، لأن الأولى أن نوقد شمعة لا أن نسبَّ الظلام، سيَّما أن شتم الظلام يحسنه ويمارسه الأغلبية, والله الموفق, والهادي إلى سواء السبيل.
http://www.alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleID=1955