عاشقة الرسول |
18-03-2009 06:02 AM |
نقاش في مجلس الأمير عن وقت صلاة الاستسقاء
سعدت بالسلام على صاحب السمو الملكي أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز ـ حفظه الله ـ الأحد الماضي في مجلسه العامر، وحدثنا سموه عن موجة الرياح التي تتعرض لها بلادنا هذه الأيام، وسأل الله أن يغيث العباد والبلاد، وسألت سموه بعد دعائه عن رأيه في توقيت صلاة الاستسقاء والبحث في أن تؤدى قبل صلاة الجمعة مباشرة أو بعدها مباشرة كي يستطيع الموظفون والطلبة أداءها، فعلق الأمير بأن الأمر علمي ويستحق الكتابة عنه، واعتبرت الأمر مناسبا للتناقش فيه.
* حكمها: أجمع العلماء على سنية الاستسقاء، واختلفوا في حكم صلاتها، فذهب الجمهور إلى سنية صلاتها، وانفرد الإمام أبو حنيفة بعدم سنيتها، وأن الدعاء يكفي.
* صفتها: اختلف المتفقون على صلاة الاستسقاء في صفتها، فذهب الإمامان الشافعي وأحمد إلى أنها كصلاة العيد، وذهب الإمام مالك إلى أنها ركعتان كسائر الصلوات، واختلفوا كذلك في خطبتيها، فذهب الجمهور إلى سنيتها، وقال الإمام أبو حنيفة والإمام أحمد في رواية له إلى أنه لا يخطب لها، واختلفوا في أن صلاتها تختم بخطبة أو خطبتين.
* وقتها: لقد تناول العلماء موضوع صلاة الاستسقاء بالبحث المستفيض، فمما قالوه إن كان الاستسقاء بالدعاء فقط، فإنه جائز في كل وقت، وإن كان مع الصلاة، فيجوز في جميع الأوقات غير وقت الكراهة، كما قال بذلك جمهور الفقهاء.
قال ابن قدامة -رحمه الله- في "المغني" (3/337) : "وليس لصلاة الاستسقاء وقت معين, إلا أنها لا تفعل في وقت النهي بغير خلاف ; لأن وقتها متسع, فلا حاجة إلى فعلها في وقت النهي, والأولى فعلها في وقت العيد ; لما روت السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حين بدا حاجب الشمس. رواه أبو داود. ولأنها تشبهها في الموضع والصفة, فكذلك في الوقت, إلا أن وقتها لا يفوت بزوال الشمس, لأنها ليس لها يوم معين, فلا يكون لها وقت معين" انتهى.
وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (5/77) : " في وقت صلاة الاستسقاء ثلاثة أوجه :
* الوجه الأول: وقت صلاة العيد.
* الوجه الثاني: أول وقت صلاة العيد ويمتد إلى وقت صلاة العصر.
* الوجه الثالث : أنها لا تختص بوقت، بل تجوز وتصح في كل وقت من ليل ونهار, إلا أوقات الكراهة على أحد الوجهين. وهذا هو المنصوص به عند الإمام الشافعي, وبه قطع الجمهور وصححه المحققون " انتهى باختصار.
وفي "الموسوعة الفقهية" (3/308) : " إذا كان الاستسقاء بالدعاء فلا خلاف في أنه يكون في أي وقت, وإذا كان بالصلاة والدعاء, فالكل مجمع على منع أدائها في أوقات الكراهة, وذهب الجمهور إلى أنها تجوز في أي وقت عدا أوقات الكراهة. والخلاف بينهم إنما هو في الوقت الأفضل, ما عدا المالكية فقالوا : وقتها من وقت الضحى إلى الزوال, فلا تصلى قبله ولا بعده ". وبهذا يعلم أنه يجوز أن يصلى للاستسقاء بعد الظهر أو المغرب أو العشاء.
* يومها:
أما عن تحديد صلاة الاستسقاء بيوم، فقد جاء في سنن أبي داود بسند لا بأس به من حديث السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم وعد الناس يوماً يخرجون فيه، قالت السيدة عائشة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس.. الحديث، ودلالته ظاهرة على تحديد يوم للخروج إلى صلاة الاستسقاء،غير أنه لم يثبت تسمية هذا اليوم، وقد استحب غير واحد من أهل العلم تحديد يومي الاثنين والخميس لأن الأعمال تعرض فيهما على الله تعالى ولأنهما وقت فضيلة للصيام، فيجمع المسلمون بين الصيام والاستسقاء فيكون الدعاء حينئذٍ أقرب للإجابة. ويُحتمل عدم مشروعية تَقصُّد هذين اليومين دون بقية الأيام، لأن ذلك لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة، وهذا هو الصواب، فلا يشرع قصد يوم دون آخر بدون نص، فالمشروع هو تحديد يوم للخروج فيه، فقد يوافق يوم الاثنين وقد يوافق يوماً آخر مراعاة لمصالح الناس وحاجاتهم. ونحن في هذه البلاد المباركة صليناها في أوقات مختلفة ومنها عندما أمر خادم الحرمين الشريفين بأدائها في ضحوة أول جمعة من رمضان في عام 1424هـ. والجديد هنا طلب الأمر بأدائها ـ كما ذكرت في أول الكلام ـ قبل الجمعة مباشرة أو بعدها مباشرة، وآلية الأداء ـ كما هو معمول به عند البعض ـ تكون كالتالي خطبتي الجمعة وصلاتها، ثم صلاة الاستسقاء وخطبتيها مع مراعاة التخفيف في الأداء، أو أن يكتفى في الصلاتين بخطبتي الجمعة اعتماداً على ما سبق من آراء.
* أخيراً:
أنقل ما قرره الفقهاء بقولهم إنه لا تسقط صلاة الجمعة عمن صلى صلاة الاستسقاء، والتحفظ الذي قد يبدو هو وجود بعض التنافي في الصلاتين من ناحية الهيئة إذ إن الجمعة يتزين لها الإنسان، والاستسقاء ينبغي أن يظهر فيه حاجة السؤال، ويمكن الإجابة عليه بأن مخبر الإنسان مقدم ومكفر عن ظاهره. وعموماً الأمر كله يحتاج بلا شك إلى تفكير ثم قرار يراعي مصلحة اجتماع الكثرة لا القلة، والله الموفق.
| الدكتور السيد عبدالله فدعق ـ فقيه ومفكر إسلامي |
|