الموضوع
:
الوالدان بين «التجسّس» و«المراقبة»
عرض مشاركة واحدة
#
1
02-04-2007, 01:19 AM
الشريفة الهاشمية
عضو
تاريخ التسجيل: Nov 2006
المشاركات
: 7,341
المواضيع
: 1200
عدد الردود: 6141
الوالدان بين «التجسّس» و«المراقبة»
الوالدان بين «التجسّس» و«المراقبة»
ما أن يبلغ الفتى مبلغ الشباب، وما أن تصل الفتاة إلى مرحلة البلوغ، حتى يضعها الوالدان في دائرة المراقبة، فالشك هنا يغلب اليقين، والظنّ يغلب الثقة. لماذا يحصل ذلك؟
في مرحلة البلوغ، يبدأ الشاب أو الشابّة يعيشان نوعاً من الاستقلالية عن الوالدين وهو أمر طبيعي، لأنّ الاعتماد على الذات أمر يجب أن يشجّع عليه الوالدان، فهذه علامة عافية في شخصية الأبناء، بل يجب أن يتسرّب الخوف إلى الوالدين إذا بقي أبناؤهما مشدودين إليهما على نحو التبعيّة التي كانت في عهد الطفولة، وعليهما أن يسعيا لإخراجهم منها.
ومن الطبيعي فإنّ الاستقلال يستدعي أن يمارس الشاب أو الشابّة بعض الأعمال التي يعتبرانها من خصوصياتهما. ولا يحبّان لأحد الاطِّلاع عليها. فإذا ما وجدا أباً أواُمّاً يفتشان في دفاترهما أو حقائبهما أو في أدراجهما، فإنّهما يمتعضان أشدّ الامتعاض، لأنّهما يعتبران ذلك اختراقاً لحرمة وانتهاكاً لحق. وماذا إذا واجه أحد الأبناء أباه أو أمّه بالقول: «يا أيها الّذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظّن إنّ بعض الظن إثم ولا تجسّسوا» «۷»؟ هل يردّان عليه بأنّ ذلك ليس تجسّساً؟ وإذاً فما معنى التجسّس إذا لم يكن هذا منه؟ هل يقولان له إنّهما أبواه ولهما الحقّ في أن يفتِشا وينبشا في أشيائه الخصوصية ولا يحقّ له الاعتراض؟ ألا يدفع ذلك الشاب أو الشابّة إلى مزيد من التكتّم
والسرية وارتكاب بعض المخالفات بعيداً عن أعين الآباء والامّهات، ممّا لا تجدي معه حتى الرقابة؟!
فلماذا نلجئهم إلى الهروب منّا والاستجارة بمن هم أقلّ شفقة ورحمة وعطفاً منّا عليهم؟ أليس هذا الذي نعمله من البحث في الأوراق والصّور والأدراج والمحفظات ودفاتر المذكّرات، والتنصّت على الهواتف، أسلوباً تنفيرياً، يجعل الابن أو البنت يخشيان الوالدين كمن يخشى عناصر المخابرات؟!
وقد يثير بعض الآباء احتجاجاً: وهل نتركهم يتصرّفون كما يشاؤون وهم ما زالوا صغاراً لا يفقهون من الحياة شيئاً؟ أليس تركهم وشأنهم تشجيعاً لهم على ارتكاب المزيد من التجاوزات، وإقامة العلاقات السيئة وربّما المشبوهة؟
والجواب: إنّنا مع «الرقابة» ولسنا مع «التجسّس»، فما هو يا ترى الفرق بين الاثنين؟ فقد يقول بعض المربّين أنّ ما نقوم به هو «الرقابة» من غير تمييز لهذه الحالة الايجابية عن «التجسّس» كحالة سلبية. فإذا ما عرّفنا «الرقابة» وعرفناها، فإنّ الشكل المرفوض لها سيتضح تلقائياً ودون عناء.
فالرقابة هي حالة التحسّس والاستشعار عن بعد، والمتابعة غير المباشرة لحركة الشاب أو الشابّة بما يفيد الاطمئنان من أنّهما يتحرّكان بشكل صحيح، وتشمل الأماكن التي يرتادها والأصدقاء الذين يعاشرهم، وخلواته مع نفسه.. وهي إذا انعدمت أو غابت، فإنّها تؤدي إلى الانحراف والجنوح لا سمح الله، وعلى ضوئها يمكن رسم خطّة التعامل مع الواقع والمستجدّات، وإنقاذ الشاب أو الشابّة من المطبّات والمزالق في اللحظة المناسبة.
وهنا لابدّ من التنبيه إلى أنّ الحرية الزائدة أو غير المسؤولة قد تتحوّل إلى فوضى، فلا تجدي معها المراقبة، مثلها مثل الكبت الشديد.. كلاهما يؤثِّر تأثيراً سلبياً على الشاب أو الشابّة لا فرق.
وكلّما أحسن الأبوان المراقبة، كانت النتائج أطيب، وهي ليست كما يتصوّر البعض سرِية، فأنت حينما تتحدّث مع ابنك عن أصدقائه، أو حينما تفتح الام الحديث مع ابنتها حول صديقاتها، فلابدّ من أن تكون العلاقة مكشوفة ومنظورة من قبل الأبوين، لكنّ الأسئلة التفصيلية من قبيل: أين ذهبتم؟ وماذا فعلتم؟ ومن كان معكم؟ وماذا تحدّثتم؟ يمكن أن تطلب برواية قصّة يتشوّق الأبوان لسماعها بشكل طبيعي، لا على طريقة التحقيق وتقديم الإفادات.
وثمّة أسلوب عملي مؤثِّر ينطبع في وعي الشاب أو الشابّة، فالأب أو الام اللّذان يتحدّثان بصراحة عن أماكن ذهابهما وساعات عودتهما وبعض ما جرى مع أصدقائهما، قد يشجِّع ذلك أبناءهما وبناتهما على أن يكونوا مثلهما.
وبالتالي، فإنّنا ومهما دعت الأسباب إلى المراقبة، يجب أن لا نحاصر الشاب أو الشابّة إلاّ في حالات الخطورة القصوى التي نشعر فيها أنّ حياتهما أو أخلاقهما مهدّدة، علماً أنّ المراقبة والمتابعة الحكيمة سوف لن توصلهما إلى هذا الحد. كما أنّ تربية الأبناء والبنات على الضّبط والمراقبة الذاتية، تجعلهما يراقبان سلوكهما وعلاقاتهما جيّداً، وهذه هي أهمية الضمير أو التقوى في نفوس الشباب، فإذا ما شعرا أنّهما مسؤولان عن أفعالهما وسلوكهما وأخطائهما، فإنّهما سيكونان أكثر حرصاً على الانضباط والالتزام.
فتربية الأولاد منذ وقت مبكّر - أي في سني الصبا - على أنّ الله سبحانه وتعالى أوكل بنا ملكين كاتبين: أحدهما يكتب الحسنات والآخر يكتب السيّئات، وهما يراقباننا دائماً ويرصدان كلّ أقوالنا وأفعالنا، وأنّ الله بعد ذلك هو الشاهد المطّلع على ذلك كلّه، وعلى ما خفي على الشاهدين، وأنّ المجتمع مسؤول عن رقابة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تجعل الشباب يستشعرون برقابتين: داخلية وأخرى خارجية، ممّا يساعد في ضبط تصرّفاتهم بقدر استشعارهم أنّ ذلك لمصلحة الانسان المسلم وليس في الضدّ منها
.
الشريفة الهاشمية
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى الشريفة الهاشمية
البحث عن المشاركات التي كتبها الشريفة الهاشمية