أصدق الرؤيا
أصدق الرؤيا بالأسحار وبالقائلة ، وأصدق الأوقات وقت انعقاد الأنوار ووقت ينع الثمر وإدراكه . وأضعـفها الشـتاء . ورؤيا النـهار أقوى من رؤيا الليـل ، وقد تتغير الرؤيا عن أصلها باختلاف هيئات الناس وصناعاتهم وأقدارهم وأديانهم ، فتكون لواحد رحمة وعلى الآخر عذاباً . ومن عجيب أمر الرؤيا أن الرجل يرى في المنام أن نكبة نكبته ، وأن خيراً آل إليه ، فتصيبه تلك النكبة بعينها ، ويناله ذلك الخير بعينه .
أصل الرؤيا: جنس وصنف وطبع
أصل الرؤيا جنسٌ وصنفٌ وطبع ، فالجنس كالشجر والسباع والطــير ، وهذا كله الأغلب عليه أنه رجال ، والصنف أن يعلم صنف تلك الشجرة من الشجر ، وذلك السبع من السباع وذلك الطير من الطيور ، فإن كانت الشجرة نخلة كان ذلك الرجل من العرب لأن منابت أكثر النخل من بلاد العرب ، وإن كان الطائر طاووساً كان رجلاً من العجم ، وإن كان ظليماً كان بدوياً من العرب . والطبع أن ينظر ما طبع تلك الشجرة فتقضي على الشجرة بطبعها ، فإن كانت الشجرة جوزاً قضيت على الرجل بطبعها بالعسر في المعاملة والخصومة عند المناظرة ، وإن كانت نخلة قضيت عليها بأنها رجل نفّاع بالخير مخصب سهل ، حيث يقول الله عز وجل : ( كشجرةٍ كطيبةٍ أصلها ثابتٌ وفرعها في السماء ) ، يعني النخلة . وإن كان طائراً علمت أنه رجلٌ ذو أسفار ، كحال الطير ، ثم نظرت ما طبعه فإن كان طاووساً كان رجلاً أعجمياً ذا جمال ومال ، وكذلك إن كان نسراً ملكاً ، وإن كان غراباً كان رجلاً فاسقاً غادراً كذاباً ، وإن كان عقاباً كان سلطاناً محارباً ظالماً عاصياً مهيباً ، كحال العقاب ومخاليبه وجثته وقوته على الطير وتمزيقه لحومه .
أقسام الناس بالنسبة للرؤيا
أقسام الناس للرؤيا ثلاثة :
الأنبياء : ورؤياهم كلها صدق ، وقد يقع فيها ما يحتاج إلى تعبير .
الصالحون : والأغلب على رؤياهم الصدق ، وقد يقع فيها مالا يحتاج إلى تعبير .
من عداهم : ويقع في رؤياهم الصدق والأضغاث ، وهم على ثلاثة أقسام :
مستورون : فالغالب استواء الحال في حقهم .
فسقة : الغالب على رؤياهم الأضغاث ، ويقل فيهم الصدق .
كفار : يندر في رؤياهم الصدق جداً ، وقد وقعت الرؤيا الصادقة من بعض الكفار كما في رؤية صاحبي السجن ، ورؤيا ملكهما في يوسف .
ويشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب ، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً ) .
فالأنبياء لكونهم متّصفون بالصدق رؤياهم كلها صدق ، والصالحون لأنهم يغلب عليهم الصدق فالأغلب على رؤياهم الصدق .
فنسبة الصدق في الرؤيا تعادل نسبة الصدق في الحديث في اليقظة وعليه فكبار الأولياء ممن لا يقع منهم كذب البتة على قدم الأنبياء في صدق الرؤيا .
الرؤيا التي هي جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة
ووجه تحديدها بذلك قال صلى الله عليه وسلم : ( رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( لم يبق من النبوة إلا المبشرات قالوا : وما المبشرات قال : الرؤيا الصالحة ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة ) .
وبإستقصاء النصوص يتضح أن الرؤيا التي هي جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة هي :
(1) رؤيا المؤمن (2) الصادقة (3) المبشرة
وأما وجـه تحديدها بذلك . فما روي عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت : " أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءته كفلق الصبح "
قال بعض أهل العلم : " إن الله أوحى إلى نبيه في المنام ستة أشهر ، ثم أوحى إليه بعد ذلك في اليقظة بقية مدة عمره ، ونسبة الوحي في المنام إلى الوحي في اليقظة بقية مدة حياته جزء من ستة وأربعين جزءاً ، لأنه عاش بعد النبوة ثلاثاً وعشرين سنة على الصحيح " .
الرؤيا . والحلم . وحديث النفس
عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الرؤيا من الله والحلم من الشيطان ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان ، فإذا حلم فليتعوذ منه وليبصق على شماله فإنها لا تضره ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله ، فليحمد الله عليها وليحدّث بها ، وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً . ورؤيا المسلم جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة . والرؤيا ثلاث : فالرؤيا الصالحة بشرى من الله ، والرؤيا من تحزين الشيطان ، والرؤيا مما يحدث به الرجل نفسه ، فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل ولا يحدث بها الناس . قال : وأحب القيد في النوم وأكره الغل .
والقيد : ثبات في الدين .
قال الترمذي : هذا حديثٌ حسنٌ صحيح .
وفي رواية للترمذي : " فمن رأى ما يكره فليقم فليصل " .
وفي هذه الأحاديث ما يشهد بأن ما يراه النائم ثلاثة أنواع: الرؤيا الصالحة وهي من الله ، والحلم وهو من الشيطان يفزع به الإنسان ، وحديث النفس . وهي ما يعبر عن الرغبات المكبوتة . وهي موضوع علم النفس .