عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 24-11-2008, 12:07 PM
EbN Al7arameyN EbN Al7arameyN غير متواجد حالياً
ضيف جديد
 
تاريخ التسجيل: Oct 2008
المشاركات: 11
المواضيع: 1
عدد الردود: 10
افتراضي الأخوة ... شروطها ، و حقوقها







الأخوة ... شروطها ، و حقوقها




الحمد لله رب العالمين ، حمدا يوافي نعمه ، و يدافع نقمه ، و يكافئ مزيده ، و الصلاة و السلام على الرحمة المهداة ، و النعمة المسداة ، سيدنا محمد بن عبد الله ، قدوتنا لكل عظيم من الأخلاق ، صلى الله عليه و على آله و صحبه وسلم وبعد

الأخوة في الله ـ تبارك وتعالى ـ شأنها عظيم ، و فضلها كبير ، حث الشارع عليها ، و رغب فيها ، و وعد من أدى ما عليه من حقوق لأخيه بما لا مزيد عليه من الإنعام و الإكرام ، يقول الصادق المصدوق ـ r ـ : ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ) و ذكر منهم : ( رجلان تحابا في الله ، اجتمعا عليه وتفرقا عليه ) رواه الشيخان ، و الأحاديث في هذا الباب كثير لا تحصر ، لذلك أفرد سادتنا من العلماء البحث في معنى الصحبة أو الأخوة ، و آدابها ، و أحكامها ، حرصا منهم ـ رحمهم الله تعالى ـ على التعلم و التعليم ومن ثم العمل .
لذا سأنقل اليوم لكم رأي عالم جليل ، اشتغل بالعلم فكان أعلم علماء زمانه ، و اهتم بالتربية فاستحق لقب مربي الأجيال ، إنه مجدد القرن الخامس الهجري ، حجة الإسلام ، أبو حامد الغزالي ـ رحمه الله تعالى ، مستقيا رأيه من كتاب الإحياء في القرن الواحد و العشرين ، و الذي قامت فيه الدكتورة سعاد الحكيم بإعادة صياغة كتاب الإحياء بما يتوافق مع لغة زماننا ـ فجزاها الله خيرا ـ .

الصحبة أو الأخوة أمر جليل ، لذلك بحث العلماء في الشروط الواجب توفرها فيمن نصاحب ، و الإمام الغزالي ـ العالم و المربي ـ يوجهنا لما ينبغي توفره فيمن نصاحب فيقرر شرطها هي :
v العقل ... فهو الأصل و رأس المال ، إذ لا خير في صحبة الأحمق ، فقد يضرك و هو يريد نفعك .
v حسن الخلق ... فـ ( المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل ) ، قال أحد الحكماء ينصح ابنه : ' يا بني ، إذا عرضت لك إلى صحبة الرجال حاجة فأصحب من إذا خدمته صانك ، و إن صحبته زانك ، و إن قعدت بك مؤنة مانك ، اصحب من إذا مددت يدك بخير مدها ، و إن رأى منك حسنة عدَها ، و إن رأى سيئة سدَها . اصحب من إذا سألته أعطاك ، و إن سكتَ ابتداك ، و إن نزلت بك نازلة واساك . اصحب من إذا قلت صدَق قولك ، و إن حاولتما أمرا أمَرك ، و إن تنازعتما آثرك ' .
v خلو المصاحب من أسباب الفسوق و دواعي النفاق ... فلا يصحب من كان مصرا على معصية ، مجاهرا بها ، أو متلبسا ببدعة ، مروجا لها ، فلعل صحبته تهون على القلب المعصية ، كما أنه لا يمكن الوثوق به ، فقد قيل ' خف ممن لا يخاف من الله ' .
v الحريص على الدنيا ... فالحرص الزائد على الدنيا يرذل الطباع ، و يسوء الأخلاق .
و بعد ما ذكر حجة الإسلام هذه الشروط ، انتقل إلى حقوق الأخوة ، وما ينبغي للمتآخين من حقوق و ما عليهم من واجبات ، إذ إن الأخوة عقد كعقد الزواج ، فيه إيجاب و قبول ، و تترتب عليه التزامات و حقوق يجملها الإمام الغزالي في ثمانية حقوق ، هي :
v حق الأخ في مال أخيه ... يرى الإمام الغزالي أن الصاحب الحق هو الذي يكون ماله مال أخيه ، يواسيه به ، ويبذله له ، بنفس طيبة بل مسرورة ، ويجعل لذلك ثلاث مراتب ، أولها القيام بحاجة الصاحب من فضل ماله ، وثانيها مشاركته بالمال ، وثالثها و أعلاها تقديم حاجة الأخ على حاجة النفس ، فمن لم يكن لقلبه رضا بذلك فأخوته زائفة ، لم ترسخ في الباطن بعد .
v أن يعين الأخ أخاه على قضاء حوائجه ... بل عليه أن يسارع في قضاء حوائج أخيه ولا يضطره لسؤال ذلك منه ، يحكى أن أحدهم قضى لبعض إخوانه حاجة عظيمة ، فجاءه بهدية . فقال له ' ما هذا ؟ ' فأجاب : ' لما أسديت إلي ' فرد عليه قائلا : ' خذ مالك ـ عافاك الله ـ ، إذا سألت أخاك حاجة فلم يجهد نفسه في قضائها ، فكبر عليه أربعا وعدَه من الأموات '
v حق الأخ على أخيه بالسكوت ... السكوت عن عيوبه ، و السكوت عن مجادلته و مماراته ، و السكوت عن أسراره ، فالمؤمن لا يلاحظ إلا المحاسن ، ويغض الطرف عن المساوئ ، يحكى عن الثوري أن قال : ' إذا أردت أن تؤاخي رجلا فأغضبه ، ثم دس عليه من يسأله عنك وعن أسرارك ، فإن قال خيرا وكتم سرك فاصحبه ' .
v حق الأخ على أخيه بالنطق ... النطق بما يحب ، و السؤال عنه و عن أحواله ، و السرور بما يسره ، و نداؤه بأحب أسمائه إليه ، والثناء عليه وذكر أفضاله ، والذب عنه وعن عرضه إذا ما حاول أحدهم انتقاصه ، ومن أهم الحقوق في هذا الباب نصح الأخ لأخيه فكما قيل ' رحم الله امرأ أهدى إلى أخيه عيوبه ' و المؤمن مرآة أخيه على أن النصيحة لا تكون في إلا في السر ، فالنصيحة في الجهر فضيحة .
v حق الأخ على أخيه بالعفو عن الزلات و الهفوات ... فالصحبة و الملازمة تقتضى الخطأ ، بل قد تحصل في بعض الأحيان أن يسيء أحد الأخوين لأخيه ، فالواجب في هذه الحالة أن يتغاضى الأخ عما لحق به و ألا يحاسب أخاه عما بدر منه إلا باللطف ، ويزيد الإمام أن الأخ إن ابتلي بمعصية أو هوى فأتبعه فعلى أخيه ألا يقطعه بل يجب عليه الصبر عليه حتى يصلح الله شأنه .
v الدعاء للأخ بما يحبه لنفسه و لأهله ... فدعوة الأخ لأخيه مستجابة ، خصوصا إن كانت بظهر الغيب ، ففي الحديث : ( إذا دعا الرجل لأخيه في ظهر الغيب ، قال الملك : و لك مثل ذلك ) .
v الوفاء و الإخلاص ... فالوفاء أن يعني الثبات على المحبة ، و أن لا يغير مغير من علو منصب و لا تغير حال الأخ على أخيه ، على أن هذا لا يقتضى الموافقة في أمر الدين ، فقد كان للإمام الشافعي أخ لا ينزل إلا عنده ولا يقوم مقامه غيره إلا أنه لم يجعله خليفته في التدريس بعده لكون تلميذه البويطي أعلم منه و أتقن و أزهد و أورع .
v و آخر الحقوق على ما يرى أبو حامد ـ رحمه الله ـ ترك التكلف و التكليف ... فلا يكلف الأخ أخاه ما لا يطيق من طلب أو حق ، فمرد الأخوة إلى اللين وخفض الجناح ، و ألا يكون بين الأخوة تكليف فقد قيل ' الأخوان ، جسدان بقلب و عقل واحد ' .
و يختم الإمام الغزالي ما يراه من حقوق بذكر قول النبي ـ r ـ : ( أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما ، و ابغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما ) رواه الترمذي .


ختاما أقول : إن غرضي مما كتبت أن يكون مقياسا نقيس عليه نحن مسلمو هذا الزمان حقيقة صحبتنا لأخوتنا ، فإن تحققت فينا هذه الشروط ، فلله الحمد والمنة ، و إلا فالواجب علينا أن نسعى لإدراك هذه الحقوق ، فهي بحق المقياس الشرعي الصحيح لما ينبغي أن يكون الناس عليه في أخوتهم ، ولنا في رسول الله ـ r ـ الأسوة و القدوة ، يأمر بإغلاق كل الخوخات إلا خوخة أبي بكر ، ويذكر في أواخر حياته فضل أبي بكر فيشهد له بمزاياه و فضيلته و بأنه من أمن الناس في صحبته ـ r ـ و أنه ـ r ـ لا يرى أنه قد كافأ أبا بكر على ما صنع مع أن الفضل و المن لله و رسوله ، هذا رسولنا ، هذا رسول الله ، فمن شاء العلى فعليه بسنته و أخلاقه ، أسأل الله ـ تبارك وتعالى ـ أن يحققنا بحقوق الأخوة و آدابها و أن يجعلنا (( إخوانا على سرر متقابلين )) ، و أن يهيئ لنا صحبة صالحة تكون لنا معينة على الخير ، إنه ولي ذلك و القادر عليه ، وصلى الله تعالى على أشرف خلقه سيدنا محمد و على آله وصحبه وسلم ، والحمد لله رب العالمين











المرجع : كتاب إحياء علوم الدين في القرن الواحد والعشرين ، كتابة معاصرة لموسوعة الغزالي : إحياء علوم الدين ، للدكتورة سعاد الحكيم ، طبعة دار الشروق ، الطبعة الأولى 2004م


__________________

رد مع اقتباس