الموضوع: الصعاليك
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 10-12-2006, 03:55 PM
حمزاوي حمزاوي غير متواجد حالياً
ضيف جديد
 
تاريخ التسجيل: Dec 2006
المشاركات: 145
المواضيع: 23
عدد الردود: 122
افتراضي الصعاليك

الصعاليك ؟

--------------------------------------------------------------------------------

في كتابه »العصر الجاهلي« حدد الدكتور شوقي ضيف معنى الصعلوك لغة بأنه الفقير الذي لايملك المال الذي يساعده على العيش وتحمل أعباء الحياة, مؤكداً أن هذه اللفظة تجاوزت دلالاتها اللغوية و أخذت معاني أخرى كقطاع الطرق الذين

يقومون بعمليات السلب و النهب.... و يمكن تقسيم الصعاليك إلى فئات ثلاث:‏

1- فئة الخلعاء الشذاذ و هم الذين خلعتهم قبائلهم بسبب أعمالهم التي لاتتوافق مع أعراف القبائل التي ينتمون إليها مثل حاجز الأزدي, و قيس الحدادية .‏

2- و فئة أبناء الحبشيات السود ممن نبذهم آباءهم و لم يلحقوهم بأنسابهم مثل السليك بن السلكة ,وتأبط شراً ,والشنفرى‏

3- و فئة احترفت الصعلكة احترافاً وحولتها إلى ما يفوق الفروسية من خلال الأعمال الإيجابية التي كانوا يقومون بها مثل عروة بن الورد سيد الصعاليك و قبيلتي هذيل وفهم .‏

وما يلفت النظر في أشعار هؤلاء الصعاليك ترديد صيحات الفقر و الجوع و الحرمان .. كما كانوا ناقمين و ثائرين على الأغنياء و الأشحاء , وامتازوا بالشجاعة و الصبر و قو ة البأس و المضاء, و سرعة العدو و قد ضرب بهم المثل في شدة العدو حتى قيل »أعدى من السليك « و »أعدى من الشنفرى«.‏

وكانت غاراتهم تتركز في المناطق الخصبة ,وترصد قوافل التجارة و قوافل الحجاج القاصدة مكة المكرمة ,وكثيراً ما تغنوا بكرمهم ,وبرهم بأقاربهم لأن ما يحصلون عليه كان يوزع على الأهل و الأقارب المحتاجين... كما اتسمت لغتهم الشعرية بالترفع والسمو و الشعور بالكرامة في الحياة وهذا ما نجده عند أبي خراش الهذلي القائل :‏

وإني لأثوي الجوع حتى يملني‏

فيذهب لم يدنس ثيابي و لاجرمي‏

وأغتبق الماء القراح فأنتهي‏

إذا الزاد أمسى للمز لج ذا طعم‏

أرد شجاع البطن قد تعلمينه‏

وأوثر غيري من عيالك بالطعم‏

مخافة أن أحيا برغم و ذلة‏

وللموت خير من حياة على رغم‏

فهو الصابر على الجوح و يكفيه الماء الصافي بينما يصاب كل من حوله من أشحاء النفوس بتخمة الطعام, وإذا ما وجد الطعام فضل إطعامه لغيره و يعني هنا أولاده دون أن يمسه ,وكل ما يعمله من أجل ألا يوصم بالعار و المذلة .‏

و الحقيقة أن الصعلكة أخذت شكلاً إيجابياً رغم أنها قامت على السلب و النهب, لأن المقصد من هذا الفعل كان يرمي إلى إطعام الفقراء من أموال الأغنياء...وكأنهم يؤكدون أن للفقير حق في مال الغني.‏

ميزة أخرى غلبت على هؤلاء الصعاليك وهي عدم تعرضهم في غاراتهم و غزواتهم للأسياد الشرفاء ,وإنما للأغنياء الأشحاء ,وهذا المبدأ تمثله سيد الصعاليك عروة بن الورد.‏

كما عرف عن هؤلاء الصعاليك اعتزازهم بأنفسهم و هذا الاعتزاز نابع من مدى قناعتهم بالفعل الذي يقومون به , يقول الشنفرى:‏

وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى‏

وفيها لمن خاف القلى متعزل‏

حتى أنه يفضل أن يستف التراب على أن يتفضل عليه إنسان لأنه يملك نفساً حرة أبية تأبى الضيم:‏

أديم مطال الجوع حتى أميته ‏

وأضرب عنه الذكر صفحاً فأذهل‏

و أستف ترب الأرض كي لايرى له علي من الطول امرؤ متطول‏

كما أنهم أضفوا على أنفسهم صفة الكرم إلى حد الافراط حتى أن » تأبط شراً«‏

لم يبق على شيء لغده :‏

يقول أهلكت مالاً لو قنعت به ‏

من ثوب صدق ومن بز وإعلاق‏

عاذ لتي إن بعض اللوم معنفة ‏

وهل متاع إن أبقيته باق‏

ونأتي إلى سيد الصعاليك »عروة بن الورد« العبسي... إذ كان أبوه من شجعان قبيلته و أشرافهم كما كان له دور البارز في حرب داحس و الغبراء ...أما أمه فكانت من نهد من قضاعة و هي عشيرة وضيعة وهذا ما جعل شاعرنا يشعر بالعار و قد عبر عنه بقوله :‏

وما بي من عار إخال علمته سوى أن أخوالي إذا نسبوا »نهد«‏

ويبدو أن هذا العار الذي كان يحسه هو الذي دفعه إلى دروب الصعلكة و الثورة على الأغنياء ...وشاعرنا لم يخلع من قبيلته كغيره من الشعراء الصعاليك و إنما ظل يحتل مكانة كبيرة فيها, وقد اتصفت صعلكته بكل جوانب المروءة و الإخاء و التعاون و التضامن الاجتماعي , إذ كان يغير على القوافل ليس بقصد السلب و النهب وإنما كان يغزو لإعانة الفقراء و المرضى و المحتاجين و المستضعفين من قبيلته وهؤلاء كانوا دوماً يصرخون بأعلى أصواتهم :» أغثنا يا أبا الصعاليك«‏

و لأنه لم يكن يغير إلا على الأغنياء الذين عرفوا بالشح و البخل و عدم مد يد المعونة إلى أحد و خاصة المحتاج لذلك اكتسبت صعلكته نبلاً أخلاقياً أكبر من الفروسية حتى أن عبد الملك بن مروان كان يقول: »من زعم أن حاتماً أسمح الناس فقد ظلم عروة بن الورد« و عروة هو القائل:‏

أفرق جسمي في جسوم كثيرة ‏

و أحسو قراح الماء, والماء بارد‏

وهو الذي لايستطيع القعود عن الغزوات لأن عليه حقوقاً و واجبات يجب أن يؤديها إلى المحتاجين من قبيلته ,ونسائها المعوزات لهذا فهو يكره الصعلوك الخامل, بل يحب الصعلوك المشرق الوجه و فيه يقول :‏

ولله صعلوك صحيفة وجهه ‏

كضوء شهاب القابس المتنور‏

مطلاً على أعدائه يزجرونه ‏

بساحتهم زجر المنيح المشهر‏

وإن بعدوا لايأمنون اقترابه ‏

تشوف أهل الغائب المتنظر‏

فذلك إن يلق المنية يلقها ‏

حميداً و إن يستغن يوماً فأجدر‏

وهكذا نجد أن عروة بن الورد كان صعلوكاً شريفاً وشجاعاً ومقداماً و قد استطاع أن يجعل من الصعلكة ما رفعها إلى درجة المروءة و السيادة لأن الغرض منها كان نداءً يدعو للتضامن و التكافل الاجتماعي الذي يراد منه في النهاية الخير للجميع وخاصة الناس المعوزين من الأهل و الأقارب...بل هي تأكيد بأن للفقراء حق في مال الأغنياء‏

المصادر:‏

- العصر الجاهلي - د.شوقي ضيف‏

- تاريخ الأدب العربي - حنا الفاخوري‏

مقال لنجاح حلاس - حمص - العروبة
رد مع اقتباس