#1
|
|||
|
|||
![]() د.عبد الحليم سمعان إذا كانت العلاقة الزوجية تقوم على الإستمرارية والديمومة,فإن الشريكين مضطران لتوقع المشاكل في علاقتهما.إن العلاقة الزوجية تكون منظمة بشكل تساعد فيه الإسقاطات المتبادلة بتفريغ "الأجزاء" التي لايمكن تحملها من دافع الموت على الآخرين أو على الشريك نفسه حتى يتسنى لكل شريك الإحتفاظ بموضوع جيد داخل الذات: إن كل شريك يعمل على إدماج الجزء الجيد من الآخر أو إسقاط الجانب السيء في ذاته عليه.هكذا "وبفضل أواليات الإدماج والإسقاط يتمكن الفرد من مواجهة دافع الموت عنده وذلك عبر استخدام الآخر دعامة خارجية للموضوع الجيد وللموضوع السيء على السواء". يظهر إذاً,أن تشكيل علاقة زوجية هو وسيلة لتفريغ آثار الميول التي يصعب استيعابها وخصوصاً الأكثر قدماً والأكثر تجزيئاً وتعذيباً للذات,والتي لايمكن أن تأخذ اشكالاً مرضية,كما أن تشكيل علاقة هو وسيلة للتخلص من استيعاب الآثار الكامنة للميول الهذائية – الإضطهادية أو الاكتئابية لكل شريك. إن وجود الآخر هو ضمانة لملء هذا الدور في الإسناد والإسقاط :إننا نحبه وإننا متأكدون بأننا محبوبون من قبله وذلك كي يتحمل,عند الإقتضاء,بغضنا واضطهادنا أو أن نكون مضهطدين من قبله.إن وجود شخص جيد بالنسبة لنا,يقبل باستيعاب كل الحقد الداخلي ويرضى بكل استيهامات الإضطهاد والعدوانية يساعدنا كثيراً على تفريغ الجوانب السيئة من ذاتنا وإسقاطها عليه.بعض الأشخاص يواجهون مشاكل كثيرة على صعيد العلاقة الزوجية ويتصرفون وكانهم بحاجة الى شريك يكرهونه.وفي حال لم يهتدوا الى مثل هذا الشريك فإنهم يستغرقون في الإضطهاد وخصوصاً في هذيان الإضطهاد معذبة. هذا النمط من العلاقة لايجب اعتباره حالة استثنائية متوقفة على المرضى فقط بل يمكن أن نكشفه في أغلب العلاقات الزوجية إذ يكون دافع الإضطهاد محجوباً في بداية العلاقة ولكن ما يلبث أن يظهر في مراحل تالية.إن الإزدواجية التي تحدد العلاقة العاطفية تكون في بداية العلاقة مكبوتة إذ يكون الشريك مصاناً ضد عودة هذه الإزدواجية,والمظهر العدواني والمحبط أو المضطهد,في هذه الحال,يكون مسنوداً الى عناصر خارجية:ينزع "التقسيم الثنائي" أو"الإنشطار" في البداية الى إسناد الميول العدوانية الى أشخاص آخرين أو الى الأخصام الذين لهم صلة بالشريك "وسطه,عائلته" والمؤثرات التي خضع لها والظروف البيولوجية والإجتماعية.غير أن الشريك نفسه قد يصير متهماً لأنه يعد السبب أو الوسيط الذي ولد الألم عند الآخر.وهكذا تنتقل الميول العدوانية نحو الشريك بسبب فشل أواليات الدفاع والإنشطار الأولية التي كانت تحميه من يقظة الدوافع العدوانية. الظروف التي تساعد على تشكيل هذه الظاهرة يمكن تلخيصها على الشكل التالي: 1- يوجد عند بعض الأشخاص – حاجة أو رغبة ذاتية – للإحتفاظ بعلاقات مميزة مع الأشخاص الآخرين وخصوصاً الأخوة أو المثل.هؤلاء الأشخاص المميزين يجب أن يكونوا بمأمن ضمن إطار العلاقة الزوجية.فمثلاً يدافع الفرد عن الحقد الاشعوري تجاه والده - إحساس بالذنب مكبوت تجاهه – ويسند اليه كل الفضائل وذلك بفعل سيرورة "التكوين العكسي".هذه السيرورة تعمل على صد العدوانية تجاه الوالد وتحويلها نحو الشريك وذلك بإسقاط حقده اللاشعوري عليه.ولقد أظهرت المعاينات العيادية أن هذا المظهر من العلاقة لايمكن أن يؤدي الى قطع العلاقة بين الشريكين: يحدث كل شيء وكأن الفرد يحتاج الى شريك آخر حتى يفرغ حقده عليه لأنه مضطر الى أن يجنب مواضيعه المميزة من هذا الحقد.هذه المؤثرات أو الدوافع المدمرة لاتظهر بشكل ثابت ومستمر,فهي غالبا ما تكون متذبذبة ومتغيرة :سلوك عدواني يعقبه شعور بالذنب مصحوباً بالإخلاص والتفاني تجاه الشريك الآخر وهذا ما يسمح للشريك باسترداد قواه وتعزيز مركزه. ولقد اثبتت التجارب ان العلاقات الزوجية يمكن أن تقاوم طويلاً انفجارات الحقد والإضطهاد وذلك أن الشريك المضطهد غالباً ما يكون عنده تسامح تجاه الشريك المضطهد:الشريك المضطهد يكون عنده ميول إكتئابية وعقاب ذاتي وطابع مازوشي وبالتالي يكون بحاجة الى شريك يضطهده ويقوم بدور "أنا الأعلى" أو يمثل القانون. تمكن richter وstierlin من توضيح هذه المسألة عندما أشار الى أهمية لعب الأدوار ضمن إطار العلاقة الزوجية:فقد يقبل كل شريك أن يؤدي دوراً معيناً حتى يتخلص من توتره النفسي الذاتي.هذا التوتر النفسي لايبقى ذاتياً لكنه يندس ضمن إطار العلاقة الثنائية ويسمح لكل شريك بنقل هذا التوتر الى شريكه الآخر "كموضوع بديل" كونه يمثل امتداداً نرجسياً لذاته.هكذا و ضمن إطار هذا التداخل المتناسب في الأدوار نتمكن من فهم هذا النمط من العلاقة,فمثلاً,إن الشريك الذي يقوم بدور الضحية غالباً ما يختار مضطهده "كمثال لأناه".إنه ينتظر منه أن يقوم بدور"أنا الأعلى" بمعنى أن يؤنبه ويعاقبه بشكل قوي بسبب الإنتهاك الإستيهامي للنواهي,فالشريك المضطهد مكلف,في هذه الحال,بتمثيل القانون. على هذا الأساس,فإن الشريك المضطهد أو الضحية يتقبل الحقد والإضطهاد من قبل الآخر ولايشعر بأي خطرعلى وجوده الفيزيائي أو المعنوي,وعليه يستطيع الشريكان تحقيق فوائد نفسية كثيرة من خلال تشكيل مثل هكذا علاقة أو إذا أردنا الدقة من خلال التواطؤ الزواجي. يسقط كل شريك على شريكه الآخر,الأجزاء التي يرفضها في ذاته والتي لايمكنه مواجهتها بدون التواطؤ الزواجي.هكذا وبفضل العلاقة الزوجية,يسند هذا الجانب المرفوض الى شريكه الذي اختير بدقة لكي يتحمل أو يضطلع بهذا الجانب المرفوض من الأنا. نلاحظ,ضمن هذا السياق,أن بعض العلاقات الزوجية تتميز بالتوتر الدائم وعدم الإنسجام إذ يصعب فهم طبيعة الروابط التي تجمع الشريكين.هذا النمط من العلاقة لايكون فقط "سادي – مازوشي" بل يوجد أيضاً,نقص في الميول الإيروسية إضافة الى الإحباط وعدم الإشباع المتبادل.والجدير بالملاحظة هنا هو أن كل شريك يرفض علاج شريكه ويمنع تطوره وكأنه يسعى دائماً الى إمتلاك شريك لكي يضطهده ويفرغ حقده عليه.نلاحظ أيضاً أن هؤلاء الأشخاص يقيمون علاقات منسجمة ومتوازية مع الغير لكن ضمن إطار علاقتهم الزوجية فإن حياتهم تبقى متوترة وصاخبة. عاشت (م.ف) طفولة معذبة ومضطربة وسط جو عائلي مشحون بالتوتر الدائم.كانت تشعر دائماً أنها مهملة ومرفوضة,كانت أمها ترفض أن تسمع شكواها أما والدها فكان على خلاف دائم مع الأم ولايرجع الى البيت إلا نادراً.عندما انهت شهادتها الأولى ارسلت للعمل في أحد المصانع حيث لاقت الكثير من الإزعاج والمعاكسة وبعد فترة قصيرة أصيبت بمرض السل فاضطرت الى ترك العمل والبقاء في البيت حيث المشاكل المادية والنفسية,وبالمقابل فإنها خطبت الى شاب كان معجبا بها ولكنه توفي بعد شهرين من الخطبة أثناء تأديته الخدمة العسكرية..عندها أخذت تعتزل شيئاً فشيئاً وتحس أنها مرفوضة من قبل الجميع وهذا ما جعلها ترتاب من جميع الناس.وفي ظل هذه الظروف بدأت تفتش عن شريك لحياتها.أخيراً,وجدت ما كانت تبحث عنه,كان اكبر منها بعشرين سنة.رضيت به لأنها كانت تعده ضحية مجتمع عدواني مثلها,لقد كانت تعرف مسبقاً خلافاته مع السلطة وتعرف أنه مرفوض من قبل الجميع.هذا الرجل كان مناضلاً سابقاً في أحد الأحزاب اليسارية المتطرفة إذ كان يستبد بمرؤوسيه ويعاملهم بقسوة وصرامة ولهذا السبب كان مكروهاً ومرفوضاً.كانت تفهم مشاعره جيداًً إضافة الى أنها كانت تقاسمه هذه المشاعر. لم تمض فترة قصيرة على هذا الزواج حتى بدأ الزوج يفرض قانونه ويظهر عدوانيته تجاهها وبالمقابل كان يحرمها من الإشباع الجنسي مبرراً سلوكه هذا بأنه يريد معاقبتها. إضطرت (م.ف) وبدأت تشعر بالإحباط والخيبة وبعد فترة من التردد قررت الخضوع للمعالج.هذا العلاج المؤقت ساعد على تحسين العلاقة بعض الشيء إلا أن الإحقار المتبادل استمر: كان كل شريك يعاقب شريكه الآخر وبالوقت ذاته يعاقب نفسه. ورغم الحقد والإحتقار المتبادل,فإن العلاقة بقيت مستمرة لأن كل شريك كان يريد أن يفرغ عدوانيته على الآخر.بعد مضي ثمان سنوات على هذا الزواج,أصيب الزوج بمرض خبيث وتوفي على أثره.فقدان الزوج كان له تأثير قوي على نفسية الزوجة,بدأت تضطرب من جديد وتشعر أن الجميع يحتقرونها ويكرهونها,أخذت تشك بجيرانها وتتهمهم بأنهم يرسلون إليها روائح مثيرة للإشمئزاز وأشعة تعكر نومها. أخذت تراقب كل تحركاتها وتكرر بالقول أفكارها الخفية.انتهى بها الأمر الى تقديم شكوى الى الشرطة التي تدخلت ولم تثبت شيئاً من صحة اقوالها وبعد فترة قدمت شكوى الى المحكمة العليا ضد الشرطة وبعدها قدمت شكوى ضد المحقق العام لأنه لم يحاكم الشرطة.بقيت على هذه الحال الى أن أصابها نوع من "هذيان الإضطهاد". كانت مقتنعة تماماً بكل ما تقوله وتتصوره ولا تحاول أبداً أن تبرهن عن صحة أقوالها. بعد فترة من الزمن قبلت أن تعالج بواسطة العلاج الكيميائي.نجح هذا العلاج أولاً في تهدئة أعصابها وإزالة كل الهلوسات السمعية والشمية وثانياً في تخفيف الهذيان. هدأت اعصابها بعض الشيء إلا أنها ما زالت مقتنعة أن لاأحد يمكن أن يحل محل زوجها إذ ما زالت تروي طريقة اضطهاده لها وتضيف قائلة :"لاأستطيع بعد اليوم أن أثور عليه,مسكين إنه مات". لابد من وجود شخص بشكل دائم حتى يصرف الفرد حقده عليه كما يجب أن يكون هذا الشخص اداة صالحة لتصريف هذا الحقد وهذا ما يستوجب قيام الشريك بدوره جيداً ولايجب أن يزول أو يتهرب,يجب أن يكون مملوكاً ومرتبطاً بعلاقة من التبعية التامة.الحقد في هذه الحال,يمكن تبريره بسهولة وذلك لأن الشريك لا يتناسب مع "التوقعات المؤمثلة" التي كانت منتظرة منه في البداية. نلاحظ,في هذه الحال,أن الشريك يؤدي "دور الضحية".هذه الضحية يجب أن تكون دائماً موجودة ومستخدمة باستمرار,وهكذا يستطيع الفرد اتهام شريكه بالفشل والخطأ ويفرغ عليه كل ما لايمكن تحمله في ذاته,ويستطيع بالتالي أن يحتقره ويحقد عليه: إنه بحاجة دائمة الى شريك مكروه ولهذا يجب اي يكون هذا الشريك موجوداً بشكل دائم حتى يقبل التفريغ.هذا النمط من العلاقة يستوجب نوعاً من التماهي المتبادل بين الشريكين حيث تلغى الحدود بين الأنا والآخر ويصبح الفرد قادراً على إسقاط المظاهر المرفوضة من ذاته على شريكه الآخر,وبالمقابل,يستطيع الشريك الاخر تحقيق الإسقاط نفسه.نستنتج إذاً,أن تآلف الشريكين يتحقق في اللاشعور وذلك على التقسيم المتبادل للحقد,ضمن هذا الإطار,يمكن أن نفهم بعض التصرفات الإنتقامية التي تحدث بعد الإنفصال والطلاق,ذلك أن أسقاط دافع الموت على الشريك يبقى محافظاً على قوته حتى بعد قطع العلاقة.وفي هذه الحال,يمكن أن يوجه الفرد حقده نحو طفلة كونه يعبر عن تجربة معاشة مع الآخر وخصوصاً إذا كان هذا الطفل يشبهه أو لأنه كان المفضل بالنسبة له أو في حال كان يبدي نوعاً من اللامبالاة تجاه المشاكل التي كانت تحصل بين الأهل.لايمكن أن يؤدي الطلاق أو الانفصال في بعض الأحيان الى وضع حد للحقد الذي يثير الشريكين :فبعض الأفراد لايستطيعون تفريغ ميولهم الإضطهادية والمعذبة بعد انفصالهم عن شركائهم,وفي هذه الحال,تنعكس هذه الميول على الذات حتى تأخذ شكل هذيان كبير كهذيان الإضطهاد. منقـول |
#3
|
|||||
|
|||||
![]() شكرا يا اخونا خالد على النقل الجيد
__________________
يارب عسى اللى جآي خير وآلي مضى خيرة الصلاةُ عـــلى رســـول الله شمس لاتغيـــــبُ حاشا يضام من استجار بها وحاشا أن يخيبُ فإن دعوت الله في أمر عصيٍّ أو عصيـــــــبِ فابدأ دعائك واختتمه بالصلاةِ على الحبيــــبِ دروس الروحه على الرابط التالي |
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
|
|