الإيسيسكو من استغراب تحويل المقر إلى استحسان تغيير العواصم..
الإيسيسكو من استغراب تحويل المقر إلى استحسان تغيير العواصم..
المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ـ يطلق عليها اختصارا: (الإيسيسكو) ـ فكرة راودت عقول القادة مع انبثاق اليقظة في العالم الإسلامي، وأمل ملأ قلوب دعاة الوحدة، وهدف من أهداف التضامن الإسلامي. تبلور الحلم وتحقق في توصية من المؤتمر الإسلامي التاسع لوزراء الخارجية الذي عقد في (دكار) عام 1398هـ = 1978م، بشأن توصيات المؤتمر العالمي الأول للتعليم الإسلامي، التي أكدت على أهمية إنشاء منظمة إسلامية دولية للتربية والثقافة والعلوم يكون مقرها مكة. ثم تطورت التوصية إلى إصدار قرار إنشاء المنظمة الإسلامية الدولية للتربية والثقافة والعلوم، يكون مقرها المغرب، ـ لا أدري لماذا تحول المقر؟ ـ عموما تطور القرار بعد ذلك إلى المصادقة على (النظام الأساسي)، ثم كان القرار الأعلى الصادر عن مؤتمر القمة الإسلامي الثالث المنعقد في مكة، مؤكدا على إنشاء جهاز إسلامي دولي جديد ضمن أجهزة العمل الإسلامي المشترك في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي، يحمل اسم "المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة"، وحاثا الدول الأعضاء على دعمها، والانضمام إليها. وهكذا تأسست (الإيسيسكو) جهازاً قائم الذات من أجهزة العمل الإسلامي المشترك ذا أهداف تجتمع حولها إرادة الأمة الإسلامية.
برنامج عواصم الثقافة الإسلامية الذي تشرف الإيسيسكو على تنفيذه، هو أحد الآليات لتعميق الوحدة الثقافية الإسلامية، والوسيلة المناسبة لإقامة الأسس الثابتة للتعاون بين الدول الأعضاء لتجديد البناء الحضاري للعالم الإسلامي. الدورة هذا العام كانت على (تريم) باليمن، وسيليها في نفس السنة (دوشنبة) بطاجيكستان، و(موروني) بجمهورية القمر المتحدة، بعد أن كانت مكة العاصمة الأولى في الترتيب قبل خمس سنوات.
شاهدت إبداع وزارة الثقافة اليمنية في احتفال تدشين (تريم) عاصمة للثقافة الإسلامية لعامنا الجاري، وسرني جدا حضور (أوبريت جنة الدنيا تريم) الذي لخص مناقب (تريم وأهلها) من بداية اعتناقهم للإسلام بعد عودة وفدهم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة في السنة العاشرة من الهجرة، ومعهم أول سفير معتمد؛ سيدنا زياد بن لبيد البياضي الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ الذي اتخذ من مدينة تريم مقراً لإقامته، وعندما جاءه كتاب الخليفة سيدنا أبي بكر قرأه على أهل تريم فبايعوا لسيدنا الصديق ـ رضي الله عنه ـ ، وارتد نفر من كندة فقاتلتهم جيوش المسلمين، وكان أهل تريم ممن ثبتوا على إسلامهم، وكان لهم دور في قتال المرتدين، إذ كانت المعركة الفاصلة (معركة النجير) التي انتصر فيها المسلمون، وجرح فيها عدد من الصحابة الذين جاؤوا إلى تريم للتداوي فاستشهد جماعة منهم ودفنوا بمقبرة (زنبل) الشهيرة.
اختيار ـ الغناء ـ تريم المستحق أتى تقديرا للدور الإصلاحي والتجديدي لعلمائها في نشر الإسلام في آسيا وإفريقيا عبر العصور، ولما اشتهرت به من أربطة العلم كرباط تريم، ودار المصطفى للدراسات الإسلامية، فضلا عن تميزها بالطراز العمراني الإسلامي الفريد. ليس القصد من هذا السرد التعلق بالماضي والحنين إلى الأمجاد الغابرة، ولكن القصد استثمار العطاء الثقافي التاريخي للعواصم الإسلامية في بناء الحاضر والمستقبل على المبادئ المستلهمة من الحضارة الإسلامية، التي هي إرث مشترك للإنسانية جمعاء، وكم كنت أتمنى أن تكون مكة المكرمة عاصمة للثقافة الإسلامية في كل العصور، لأن الذي قدم من فعاليات آنذاك لم يشبع محبيها، متطلعا إلى اليوم القريب الذي تعلن فيه (المدينة المنورة) عاصمة ثقافية إسلامية لنكفر عما قصرنا في فعاليات (مكة عاصمة الثقافة الإسلامية).