احتفل العالم كله ـ ونحن معه ـ طوال الشهر الماضي ـ آذار (مارس) ـ بالشهر العالمي للخدمة الاجتماعية، واحتفل العالم ـ وحده ـ الجمعة قبل الماضي ـ 26 آذار ـ باليوم العالمي للخدمة الاجتماعية، وسيحتفي بعد غد ـ 5 نيسان (أبريل) ـ وعسى أن نشاركه ـ باليوم العالمي للعمل الاجتماعي، لأنه لا يصلح أن نسير بمنأى عن غيرنا، إذ عالم اليوم كما يقولون أصبح قرية واحدة، أو قرية صغيرة. هذه الالتفاتات والاهتمامات العالمية المهمة جعلتني أبحث عن هذه المواضيع، وقادتني قراءاتي إلى استحسان التنويه عنها بالكتابة، خاصة وأن (العمود الصحفي) لكاتب (الرأي) لا بد أن يصف الواقع، ويعزز الارتباط به، ويعتمد البحث والتقصي، بالإضافة إلى تضمينه وجهة نظره فيما ذكره من هموم وحقائق.
(الخدمة الاجتماعية) ـ كما تقول الدراسات ـ وضعت على صدارة أهدافها النبيلة تنمية المجتمعات عن طريق البحث عن القوى والعوامل المختلفة، التي تحول دون النمو والتقدم الاجتماعي، مثل الفقر والجهل والمرض، فالحرمان والبطالة وغيرهما من ظروف معيشية سيئة، وتبحث الخدمة الاجتماعية أيضا عن أسباب العلل في المجتمع لكي تتصدى لها وتكافحها، ومن ثم تختار أنسب الوسائل الفاعلة في المجتمع للقضاء على العوائق، أو التقليل من آثار الأضرار التي تنتج عنها إلى أدنى حد ممكن. ويستند مفهوم فلسفة الخدمة الاجتماعية ـ كما يقول الأخصائيون الاجتماعيون ـ على فلسفة اجتماعية أخلاقيه، وذلك أن جذور فلسفة الخدمة الاجتماعية تتصل وترتبط بالدين والنزعة الإنسانية، فالخدمة الاجتماعية تستمد فلسفتها من الملل السماوية والتوجهات الإنسانية والعلوم الاجتماعية والطبيعية والخبرات العلمية للخبراء الاجتماعيين. وتعتمد هذه الفلسفة على ركائز مهمة؛ منها الإيمان بحق الفرد في ممارسة حريته في حدود القيم المجتمعية، وحق الفرد في تقرير مصيره مع عدم الإضرار بحقوق الغير، والإيمان بالعدالة الاجتماعية بين جنس وآخر وحتى بين ديانة وأخرى.
أما مهنة (العمل الاجتماعي) فهي مهنة تعتمد بشكل كبير على الممارسة العملية القائمة على مناهج البحث والتجربة، وتعتبر مهنة تهدف إلى السعي وراء إقرار العدالة الاجتماعية. و"العدالة الاجتماعية" ـ في تسمية الاجتماعيين ـ: نظام اقتصادي يهدف إلى إزالة الفوارق الاقتصادية الكبيرة بين طبقات المجتمع، ويسمونها أحيانا "العدالة المدنية"، بمعنى توفير معاملة عادلة، وحصة مشتركة من خيرات المجتمع. ولأن مهنة العمل الاجتماعي تهدف أيضا إلى تحسين الظروف الحياتية ودعم كافة السبل والإمكانات التي توفر الرفاهية والرخاء لكل فرد وجماعة في المجتمع، أصبحنا نرى العاملين في مجال العمل الاجتماعي يشتغلون في العديد من المهن والوظائف المختلفة في أماكن عديدة.
على الرغم من التقدم العلمي والتقني المذهل الذي حققه المجتمع حديثا يظل الإنسان محور الحياة على هذا الكوكب، ومجتمعنا ـ وغيره ـ يشعر أفراده بأنه قد اجتاحته تيارات التغيير السريعة، بسبب الانفتاح على العالم الخارجي، وبسبب الغزو الثقافي وغير ذلك مما لا يعد ولا يحصى؛ ونتائج الباحثين تشير إلى وجود أزمة يعاني منها المجتمع بشكل عام والشباب بشكل خاص، مظاهر هذه الأزمة تجسدت بداية في ظاهرتي اللامبالاة والإهمال، حتى تطورت وبسرعة جنونية إلى صناعة "تطرف الفكر"، و"فكر التطرف"، ومن هنا تبرز بوضوح ضرورة الاهتمام بتفعيل مجالات العمل الاجتماعي، وتوسيع مسارات الخدمة الاجتماعية، لما في ذلك من أهمية كبرى في مساعدة الأفراد على التكيف مع النظم الاجتماعية الحياتية الجديدة، وأهمية قصوى في محاولة الإسراع في معالجة مناطق الخلل في دماغ بني البشر.