عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 17-07-2010, 09:28 PM
الصورة الرمزية مها قزاز
مها قزاز مها قزاز غير متواجد حالياً
المشرفة العامة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2005
المشاركات: 3,275
المواضيع: 264
عدد الردود: 3011
افتراضي

وروي أن ذا القرنين، لما بنى السد وأحكمه، انطلق يسير حتى وقع على أمة صالحة يهدون بالحق وبه يعدلون، مقسطة مقتصدة يقسمون بالسوية، ويحكمون بالعدل، ويتراحمون حالهم واحدة وكلمتهم واحدة، وأخلاقهم مستقيمة، وطريقتهم مستوية، وقبورهم بأبواب بيوتهم، وليس لبيوتهم أغلاق، وليس عليهم أمراء، ولا بينهم قضاة، ولا بينهم أغنياء ولا فقراء، ولا أشراف ولا ملوك، لا يختلفون ولا يتفاضلون، ولا يتنازعون ولا يتسابون، ولا يقتتلون ولا يضحكون، ولا يحزنون ولا تصيبهم الآفات التي تصيب الناس، وهم أطول الناس أعماراً، وليس فيهم مسكين ولا فقير، ولا فظ غليظ.
فلما رأى ذلك ذو القرنين، عجب من أمرهم وقال: خبروني أيها القوم خبركم فإني قد أحصيت الدنيا كلها، برها وبحرها، شرقها وغربها، فلم أر أحداً مثلكم، فخبروني خبركم، قالوا: نعم فسل عما تريد، فقال: خبروني ما بال قبوركم على أبواب بيوتكم. قالوا: عمداً فعلنا ذلك لئلا ننسى الموت، ولئلا يخرج ذكره من قلوبنا. قال: فما بال بيوتكم ليس عليها أغلاق؟ قالوا: ليس فينا متهم وليس منا إلا أمين. قال: فما بالكم ليس عليكم أمراء؟ قالوا: لا حاجة لنا بذلك. قال: فما بالكم ليس عليكم حكام؟ قالوا: لأنا لا نختصم قال: فما بالكم ليس فيكم أغنياء؟ قالوا: لأننا لا نتكاثر بالأموال. قال: فما بالكم ليس فيكم ملوك. قالوا: لأنا لا نرغب في ملك الدنيا. قال: فما بالكم ليس فيكم أشراف؟ قالوا: لأنا لا نتفاخر. قال: فما بالكم لا تتنازعون ولا تختلفون؟ قالوا: من صلاح ذات بيننا. قال: فما بالكم لا تقتتلون؟ قالوا: من أجل أنا سسنا أنفسنا بالحلم. قال: فما بال كلمتكم واحدة وطريقتكم مستقيمة؟ قالوا: من قبل أنا لا نتكاذب ولا نتخادع ولا يغتاب بعضنا بعضاً. قال: فأخبروني من أي شيء تشابهت قلوبكم واعتدلت سرائركم؟ قالوا: صحت نياتنا فنزع بذلك الغل من صدورنا، والحسد من قلوبنا. قال: فما بالكم ليس فيكم مسكين ولا فقير. قالوا: من قبل إنا نقتسم بالسوية. قال: فما بالكم ليس فيكم فظ غليظ؟ قالوا: من قبل الذل والتواضع لربنا. قال: فلأي شيء أنتم أطول الناس أعماراً؟ قالوا: من قبل أنا نتعاطى بالحق ونحكم بالعمل. قال: فلأي شيء لا تضحكون؟ قالوا: لئلا نغفل عن الاستغفار. قال: فما بالكم لا تحزنون؟ قالوا: من أجل أنا وطنا أنفسنا للبلاء، مذ كنا أطفالا، فأحببناه وحرصنا عليه. قال: فلأي شيء لا تصيبكم الآفات كما تصيب الناس؟ قالوا: لأنا لا نتوكل على غير الله تعالى، ولا نعمل بالأنواء والنجوم.
قال: حدثوني هكذا وجدتم آباءكم. قالوا: نعم وجدنا آباءنا يرحمون مساكينهم، ويواسون فقراءهم، ويعفون عمن ظلمهم، ويحسنون إلى من أساء إليهم، ويحلمون على من جهل عليهم، ويصلون أرحامهم، ويؤدون أمانتهم، ويحفظون وقت صلواتهم، ويوفون بعهودهم، ويصدقون في مواعيدهم، فأصلح الله بذلك أمرهم، وحفظهم ما داموا أحياء، وكان حقاً عليه أن يخلفهم بذلك في عقبهم. فقال ذو القرنين: لو كنت مقيماً عند أحد، لأقمت عندكم، ولكن لم أؤمر بالإقامة.
__________________

أخر مواضيعي

رد مع اقتباس