بابًٌ زيارة أهل الخير ومجالستهم وصحبتهم ومحبتهم وطلب زيارتهم والدعاء منهم وزيارة المواضع الفاضلة
*°••.¸.•°°•.¸ ¸.•°°•.¸.•*°••.¸.•°°•.¸ ¸.•°°•.¸.••°*
وَ عَنْ أَبي هُريرة رضيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنِ النبيِّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال : ( تُنْكحُ الْمَرْأَةُ لأرْبَعٍ : لمالها ولِحَسَبها ولِجَمَالها وَلدينها ، فَاظْفَرْ بذاتِ الدِّينِ تَربَتْ يَدَاكَ ) مُتّفَقٌ عَلَيْهِ .
ومعناه : أن الناس يقصدون في العادة من المرأة هذه الخصال الأربع ، فاحرص أنت على ذات الدين ، واظفر بها ، واحرص على صحبتها.
الشرح :
•.¸ ¸.•°°•.¸.•
( لمالها ولِحَسَبها ولِجَمَالها وَلدينها ) : هذه غالب الأسباب التي تنكح المرأة من أجلها .
النبي عليه الصلاة والسلام لم يذكر هذا الحديث بصيغة الحصر ، بمعنى أنه لم يقل لا تنكح المرأة إلا لأربع لأنه بامكانك أنت اضافة أسباب أخرى .
غالب الأسباب التي تنكح المرأة من أجلها وكما ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام :
١- مالها : مهم جداً ومطمع وشيئ مغري للمرأة أن تنكح من أجله .
٢- حسبها : هل الحسب معناه النسب أم هو مختلف ؟
استدل مجموعة من الفقهاء أن المرأة من آل البيت لا تأخذ إلا من آل البيت ، والقبيلي لا يأخذ إلا بمن هي من نفس قبيلته .
بعض العلماء أدخل الحسب في النسب ، والبعض قال أن الحسب هو شرف الأخلاق وكرم الأخلاق ونبل الأخلاق .
وبعضهم ضم الاثنين معاً .
المتشدد في أي مسألة عليه أن لا يلزم الطرف الآخر بقبول رأيه وإن كان لدى الاثنين دليلهم .
من أراد النصيحة فلابد أن تتوفر عنده ملكة النصيحة وآدابها .
٣-جمالها : مطلوب أن يأخذ المرأة الجميلة .
حذر العلماء من الجمال وهذا التحذير يكون في :
أ. الجمال المطلق ( تكون في غاية الجمال فتزهو عليه بجمالها ) .
ب- الجمال المجرد عن الأخلاق والدين .
٤- دينها .
سمح الشارع الحكيم الزواج من أهل الكتاب بشروط :
أ- أن تكون من المحصنات ، وذات خلق حسن .
ب- أن لا تؤثر عليه بدينها فتدعوه اليه .
( فاظفر بذات الدين تربت يداك ) : تمسك بها واحرص عليها ، وحث على ذلك بقوله : ( تربت يداك ) بمعنى افتقرت وتأتي هنا بمعنى النماء والبركة ، أي فاظفر بذات الدين تعلقت يداك بالبركة.. ولا يمكن أن تكون (تربت يداك) بمعنى: افتقرت أبداً؛ بدليل كلمة (اظفر) ولا يمكن أن يقول له: اظفر بالفقر أبداً، وإنما اظفر بذات الدين. وهذه الكلمة تقال عند العرب للحث على الشيء .
جاء قول النبي عليه الصلاة والسلام : ( فاظفر بذات الدين تربت يداك ) متأخراً للأهمية واستجلاب الأشياء .
*°••.¸.•°°•.¸ ¸.•°°•.¸.•*°••.¸.•°°•. ¸.•°°•.¸.••°*
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قَالَ : قَالَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم لِجبريل : ( مَا يَمْنَعُكَ أنْ تَزُورنَا أكثَر مِمَّا تَزُورَنَا؟) فَنَزَلَتْ: (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ) [مريم: 64] رواه البخاري
الشرح
•.¸ ¸.•°°•.¸.•
عندما استبطأ النبي عليه الصلاة والسلام سيدنا جبريل عليه السلام سأله هذا السؤال الذي يدل على حب الزيارة ، وأن الانسان لابد له أن يزور الآخرين وأن تكون بينه وبينهم اتصال ، فقال له : (مَا يَمْنَعُكَ أنْ تَزُورنَا أكثَر مِمَّا تَزُورَنَا؟) بمعنى لماذا تأخرت علينا هذه المرة ؟ فأنزل الله تعالى قوله : ( وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ ) .
قيل أن سيدنا جبريل عليه السلام تأخر عن النبي أربعين يوم ، ومنهم من قال أقل من ذلك .
تأخرات سيدنا جبريل عليه السلام كانت بتفاوت وأكثر من مرة .
سأل أهل قريش النبي عليه الصلاة والسلام عن الكهف وأصحاب الكهف ، فلم يجبهم لأنها مسألة غيبية فأنتظر الجواب من سيدنا جبريل الذي تأخر عليه ، وهذا نص آخر يبين أن سيدنا جبريل عليه السلام احتبس عن النبي مدة .
إذا كان هذا سيد الوجود صلى الله عليه وآله وسلم اشتاق لزيارة المَلَك ولزيارة الانسان فمن باب أولى أن يحرص الإنسان على التزاور .
قيل أن سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه في يوم من الأيام اشتاق لسيدنا معاذ رضي الله تعالى عنه ولم يره منذ فترة وعندما قابله قال له : لقد تذكرتك البارحة فظللت اتقلب في فراشي شوقاً اليك .
الصحابة تعلموا من الرسول عليه الصلاة والسلام الحب والمزاورة فانعكست اليهم تلك الأخلاق الجميلة وطبقو ذلك بينهم رضي الله تعالى عنهم .
*°••.¸.•°°•.¸ ¸.•°°•.¸.•*°••.¸.•°°•. ¸.•°°•.¸.••°*
عن أَبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ : (لا تُصَاحِبْ إلاَّ مُؤْمِناً، وَلاَ يَأْكُلْ طَعَامَكَ إلاَّ تَقِيٌّ) . رواه أَبُو داود والترمذي بإسناد لا بأس بِهِ .
الشرح :
•.¸ ¸.•°°•.¸.•
بعض من لم يحسن تفسير هذا النص والتعامل مع هذه النصوص منع التعامل مع أهل الكفر .
النصوص الحديثية والنصوص القرآنية تطبيقها على أرض الواقع وتحويلها إلى نصوص فقهية يحتاج إلى فن .
بعض الفقهاء قال لا تصاحب إلا مؤمناً معنى ذلك لا يمكنني أن أصاحب كافر .
كيف تكون معاملاتنا مع الكفار ؟ وكيف عامل النبي عليه الصلاة والسلام الكفار ؟ هل معنى الصحبة هنا التعامل أم حقوق الصحبة ؟ بمعنى أننا ندعي للكافر ونتمنى له الخير كما نتمناه للمسلم ، فاذا وصل الانسان المسلم لهذه المرحلة أنه يتمنى الخير لغير المسلم فهذا مسلم نقي جداً ، وهو ليس بمطالب أن يتمناها .
عموم الكفار لابأس ان يتمنى لهم المسلم الخير .
الكافر بعينه الذي عمل جرمًا فظيعًا له حكم خاص فيدعى له بالشر ( يارب إن انتهى في علمك أن هذا الرجل ينتهي على هذه الحياة الخاسرة فخذ بأجله وأنتقم منه شر انتقام ، وإن كنت تعلم يارب أن نهايته سعيدة ونهايته إلى خيرفعجل اللهم بهدايته وإسعاده ) .
الرأي في هذا الحديث ( لا تصاحب إلّا مؤمنًا ) : أغلب معاملاتك لا تكون إلا مع مؤمن .
( وَلاَ يَأْكُلْ طَعَامَكَ إلاَّ تَقِيٌّ ) : هل نفهم من هذا أن الشخص الذي يكون والده كافرًا لا يأكل من طعام ابنه المسلم ؟
لا مانع من تقديم الطعام لمن هم بليسو أتقياء أو كفار ، فاكرام الضيف مطلب شرعي ولو كان الضيف كافراً .
لابد أن يُنظر للإنسان حسب احتياجه لا حسب دينه .
الكافر هو غير المسلم وكل واحد لم يقل لا اله إلا الله هو كافر .
من كرم الله تعالى أنه لم يجعل مفاتيح الجنة والنار بأيدينا فكلنا طالبين فضله .
القطع النهائي بانسان في الجنة أو بانسان في النار لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى .
قيل في الأراجيز القديمة : إن عذبنا فبعدله ، وإن أكرمنا فبفضله .
*°••.¸.•°°•.¸ ¸.•°°•.¸.•*°••.¸.•°°•. ¸.•°°•.¸.••°*
عن أَبي هريرة رضي الله عنه: أن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ : (الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَليَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ ) رواه أَبُو داود والترمذي بإسناد صحيح، وَقالَ الترمذي : حديث حسن.
الشرح :
•.¸ ¸.•°°•.¸.•
حديثٌ مهم في مسألة المجالسة والصحبة ، يقول العلماء : إذا جالس جانس .
الإنسان تلقائيًا يكون على دين من يجالسه ويصاحبه .
أفضل هدية يقدمها الوالدين لأولادهم هي إختيار الصحبة الطيبة لهم .
أبرز شرطين في المخاللة والصحبة :
١- ينظر اليك كما يرى نفسه .
٢- ينظر اليك بعين الكمال والاجلال والتقدير .
*°••.¸.•°°•.¸ ¸.•°°•.¸.•*°••.¸.•°°•. ¸.•°°•.¸.••°*
عن أَبي موسى الأشعري رضي الله عنه : أن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ : (المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وفي رواية: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : الرَّجُلُ يُحبُّ القَومَ وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ ؟ قَالَ : (المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ ) .
وفي رواية : ( المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ وَلَهُ مَا اكتَسَبَ ) .
الشرح :
•.¸ ¸.•°°•.¸.
( المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَب ) : جمعينا يحب النبي عليه الصلاة والسلام ، ولكن هل سنجلس جميعنا معه في الفردوس الأعلى ؟ إذًا المعية لا تقتضي المساواة وهذه مسألة مهمة ذكرها الشراح .
المعية تكون بمجرد الإجتماع ، ولكن المفاضلة في نفس درجة الإجتماع .
*°••.¸.•°°•.¸ ¸.•°°•.¸.•*°••.¸.•°°•. ¸.•°°•.¸.••°*
عن أنس رضي الله عنه : أنَّ أعرابياً قَالَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم : مَتَى السَّاعَةُ ؟ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم : (مَا أعْدَدْتَ لَهَا ؟) قَالَ : حُبَّ الله ورسولهِ، قَالَ : (أنْتَ مَعَ مَنْ أحْبَبْتَ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، وهذا لفظ مسلم.
وفي رواية لهما : مَا أعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثيرِ صَوْمٍ، وَلاَ صَلاَةٍ، وَلاَ صَدَقَةٍ، وَلَكِنِّي أُحِبُّ الله وَرَسُولَهُ .
الشرح :
•.¸ ¸.•°°•.¸.
هناك فرق بين الأعرابي والعربي :
الأعرابي : هو الذي سكن البوادي .
العربي : هم أولاد سيدنا ابراهيم عليه السلام .
الأعرابي الذي سأل النبي عليه الصلاة والسلام هو ذو الخويصرة اليماني وهو المشهور الذي بال في المسجد ولم ينهره الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولم يعنفه وأمر الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين بأن لا يقطعو عليه فعله ولا ينهروه .
أكثر من صحابي سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم نفس سؤال الأعرابي ومنهم سيدنا أبي ذر رضي الله تعالى عنه ، فكانت الإجابة من النبي عليه الصلاة والسلام هي نفسها ، وجميعهم أجمع على حب الله ورسوله .
الإمام البوصيري في قصيدته له بيتٌ مشابه لقول الأعرابي : ( مَا أعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثيرِ صَوْمٍ، وَلاَ صَلاَةٍ، وَلاَ صَدَقَةٍ، وَلَكِنِّي أُحِبُّ الله وَرَسُولَهُ ) ، يقول الإمام البوصيري :
وَلَا تَزَوَّدْتُ قَبْلَ المَوْتِ نَافِلَةً = = = وَلَمْ أُصَلِّ سِوَى فَرْضٍ وَلَمْ أَصُمِ
المرء مع من أحب ؛ لأنه إذا أحب قوماً فإنه يألفهم ، ويتقرب منهم ، ويتخلق بأخلاقهم ، ويقتدي بأفعالهم ، فتحويل الحب إلى عمل شأن مطلوب .
*°••.¸.•°°•.¸ ¸.•°°•.¸.•*°••.¸.•°°•. ¸.•°°•.¸.••°*
عن ابن مسعود رضي الله عنه، قَالَ: جاء رجلٌ إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ : يَا رَسُول الله، كَيْفَ تَقُولُ في رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْماً وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ ؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم : (المَرْءُ مَعَ مَنْ أحَبَّ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
الشرح :
•.¸ ¸.•°°•.¸.
الأسئلة الموجهة للرسول عليه الصلاة والسلام مختلفة لكن الإجابة منه صلى الله عليه وآله وسلم كانت واحدة .
المحبة إذا كانت صادقة فهذا يكفي لأنها ستؤدي إلى عملٍ ناجح .
وَقَد أَتَيْتُكَ بِالتَّوْحِيدِ يَصْحَبُهُ حُبُّ النَّبِيِّ وَهَذَا القَدْرُ يَكْفِينِي
لا اله إلا الله مع محبة خالصة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وقليل من الترتيبات تجعل الإنسان في نجاح .
*°••.¸.•°°•.¸ ¸.•°°•.¸.•*°••.¸.•°°•.¸ ¸.•°°•.¸.•
وَصَلَّى الله تَعَالَى عَلَى سَيدِنَا مُحَمَّد وَعَلى آلِه وَصَحبِه وَسَلِّم
__________________
|