( من لبنان مع التحية) موضوع الحلقة (3) من العمود الصحفي الأسبوعي : 2/1/1431هـ ,
من لبنان مع التحية
انتقال الإنسان من محل إلى آخر, يذكرني بصدر قصيدة حبيب الطائي ـ الشامي ـ «أبو تمام»: «نقل فؤادك حيث شئت من الهوى...», الجميل في هذا التنقل مصادفته أيضاً لتنقلات في أماكن الكتابة, فالكتابة حالياً من على شاطئي منطقة الروشة ببيروت, برفقة حرمي الشريفة منى, كلانا في رحلة عمل؛ أنا في اجتماع لجنة عضوية الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين, وإلقاء بعض المحاضرات العلمية برعاية كريمة من سماحة مفتي الجمهورية, وهي فيما يخصها من أمور, أهمها الصحبة بالمعروف.
المنطلق في جلستنا الآن الصمت الجميل بالنظر العميق في (صخرة الروشة) الملقبة بصخرة الحب, وصخرة الحمام, وصخرة الانتحار ـ وهي بريئة عنه ـ, تذكرنا ما ذكره الجيولوجيون عن نشأتها, وأنه كان بعد زلزال قوي ضرب بيروت في القرن الثالث عشر, أنهى العديد من الجزر, وأظهرها كتلة هائلة تبلغ قمتها 70 متراً, وجعل أمامها صخرة أثرت عليها عوامل التعرية. اسم «لبنان ـ بضم اللام ـ» له حكاية جميلة, البعض يقول إنه مشتق من كلمة «ل ب ن» السامية والتي تعني «أبيض» وذلك بسبب لون الثلوج على جباله, والبعض يقول إنه مشتق من كلمة «اللبنى» أي شجرة الطيب, أو «اللبان» أي البخور، وذلك بسبب طيب رائحة غاباته. والبعض يقول إنه اسم آشوري مؤلف من «لب» و»أنان» وتعني «قلب الله» وذلك بسبب اشتهار جباله كموقع للآلهة عند الأقدمين. وتاريخ «لبنان» موغل في القدم، فهو يعود إلى ما قبل بداية الحضارة البشرية ـ أكثر من 7000 سنة من الوجود, ومع هذه العتاقة نجد أن فيه أقدم مدينة مأهولة في العالم «مدينة جبيل». «لبنان» بلد طوائفي ـ 18 طائفة ـ، متعدد الثقافات والحضارات, ومتنوع الأصول والفروع ـ الكثير من اللبنانيين ذوو جذور فينيقية وعربية ورومانية وتركية وفارسية وأوروبية ـ، وقد انعكس هذا ـ وغيره ـ على تسميته «بسويسرا الشرق»، وتسمية عاصمته بيروت «بباريس الشرق».
الصحافة ذكرتني بما يردده المهتمون من أن اللبنانيين لهم دور كبير في ريادة الصحافة والإعلام خصوصاً, وفي إثراء مجالات العلوم والفنون والآداب عموماً, وبالفعل «لبنان» يعتبر من أكثر الدول اشتهارا بهذه المهنة وتطويرها منذ انطلاقتها مع جريدة «حديقة الأخبار» عام 1858, وقد استطاعت صحافتها أن تحتل مراكز متقدمة في مجالات الإعلام والإعلان والتثقيف والدفاع عن الحقوق والحريات, ساعدها في ذلك وجود مؤسسات تعليمية خاصة لتعليم الصحافة والإعلام على درجة عالية من الإتقان, إضافة إلى ذلك أن «لبنان» يعد أولى الدول العربية التي سمحت لمحطات إذاعة خاصة بالعمل ضمن حدوده, وأنه يشتهر بدور النشر التي تصدر الكتب المتنوعة العربية منها والمترجمة.
نسائم لبنان العليلة وصلت بنا ـ ونحن نسير مع السائرين على ذات الشاطئين ـ إلى قناعة تامة أن عالمنا اليوم قرية كونية صغيرة بما قدره المولى في لوحه المحفوظ, عالم لا حدود فيه للفكر أو للمعلومة أو لأي شيء آخر. ولم يعكر علينا سوى الشعور بالألم على موجات هنا وهناك أصابت وتصيب بعض أبناء جلدتنا لأسباب كثيرة, أبرزها قلة استيعاب أن عالم اليوم لا دخل لنا فيه إلا بمقدار الاستهلاك والاستهداف, وأنه قد غاب عنهم ـ وعنا ـ ضرورة استخدام معارفنا للاستفادة والاستزادة من علوم الآخرين, واستغلال الآليات اللازمة لذلك, وفي مقدمتها الإعلام الذي كان يسمى السلطة الرابعة, وأصبح اليوم السلطة الأولى. للمزيد وللتعليق اضغط .