#1
|
|||||
|
|||||
![]() الفقه الإسلامي في عالم متغير
ثبات الشريعة في مبادئها وأركانها، يصاحبه القول بمرونتها؛ وثباتها ومرونتها يعدان من أهم مقومات بقائها واستمرارها، دون أن يُنال من مبادئها، أو أن تكون عائقا أمام أي بحوث ودراسات، فهي ربانية المصدر بداية مقالي أنتهزها للمباركة الواجبة باسمي وباسم طلاب العلم الشريف للعالم الفقيه الأصولي فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور عبدالوهاب بن إبراهيم أبو سليمان بمناسبة تفضل خادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله ورعاه ـ بتكريمه (الشخصية السعودية الثقافية) لهذا العام، مبتهلين إلى الله سبحانه وتعالى أن يديم النفع والانتفاع به، والإفادة والاستفادة منه. مؤخراً تشرفت بالمشاركة في الندوة العاشرة لتطور العلوم الفقهية في عُمان: (الفقه الإسلامي في عالم متغير)، التي انتهت فعالياتها الثلاثاء الماضي، ونظمتها بكل نجاح وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بسلطنة عمان. الندوة وما دار فيها من علوم يؤكد أنه قد آن أوان تحويل مقولة أن: «الشريعة صالحة لكل زمان ومكان»، إلى مقولة بديلة هي: «إن الزمان والمكان لا يصلحهما إلا الشريعة». وأنه قد آن أوان تحويل هذه المقولة من مجرد نظرية إلى تطبيق حيوي في الحياة؛ هذا التطبيق يحتاج فيما يحتاج إلى تفعيل دور الاجتهاد وفق مقاصد الشريعة الإسلامية، وكيفية تكوين الملكة الفقهية، وعمل مقارنة بين أحكام التشريع الإسلامي وبين القوانين الوضعية، والنظر بعمق في النوازل والمستجدات التي تواجه الحياة اليومية. لقد كان الفقه في عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مقتصراً على ما يحتاجه الناس في زمنهم ذاك ـ عن أبي هريرة قال خطبنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: "أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا، فقال رجل أكل عام يا رسول الله؟ فسكت، حتى قالها ثلاثا، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم. ثم قال: ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه" رواه مسلم وغيره ـ . وما تركهم إلا بعد تمام دينهم ـ (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) ـ وتعليمهم كيف يستنبطون الأحكام من الكتاب والسنة، بل وأذن لهم بالاجتهاد أمامه، وأقرهم عليه ـ عن أبي سعيد الخدري قال: «خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة، وليس معهما ماء، فتيمما صعيدا طيبا فصليا، ثم وجد الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء، ولم يعد الآخر. ثم أتيا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فذكرا ذلك له، فقال للذي لم يعد: أصبت السنة وأجزأتك صلاتك، وقال للآخر: لك الأجر مرتين» رواه أبو داود والنسائي ـ . ولما توسعت الدولة الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين، وظهرت المستجدات في مسائل الناس ونوازل حياتهم، أعمل فقهاء الصحابة جهدهم في استنباط الأحكام، مستنيرين بالكتاب والسنة، وأظهر سيدنا عمر بن الخطاب ـ رضي الله تعالى عنه ـ براعة خاصة، وجاء التابعون وتابعوهم كساداتنا الحسن البصري، وعامر الشعبي، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير وغيرهم ليسيروا سير السلف الصالح في استنباط أحكام كل ما يستجد من المسائل، ليؤكدوا عالمية هذا الدين وشموله. إن حركة التجديد في الفقه لم تتوقف منذ عهد الصحابة، وإلى يومنا هذا، وإن اختلف نتاجها كثرة وقلة، وبحمد الله ـ سبحانه وتعالى ـ نجد في أيامنا هذه أن العطاء الفقهي مستمر، على الرغم مما يتعرض له من التحديات. لا شك أن الثابت بالنص الثابت القطعي لا يعدل ولا يتغير، فالعقائد، والعبادات، والمقادير الشرعية، والقواعد القطعية ثابتة راسخة. أما الوسائل المساعدة للعقيدة، أو للعبادات، أو للمقادير الشرعية، أو للقواعد القطعية والكلية الكبرى فقابلة للاجتهاد؛ فالعلل تبدلت، والأعراف تطورت، ولا بد أن ننزل المتغيرات على الواقع، حتى نخرج من ظن أن الفقه تنظير، وأنه مجرد تراث. لا بد لنا من تفعيل الفقه الإسلامي، وتوسيع دائرة الاجتهاد، واستيعاب النوازل الحديثة، بكل تقلباتها وتشعباتها، وبدونه لن نصمد أمام التحديات. وما دامت حركة المجتمعات في تطور فإن هذه هي الوجهة اللازمة للعلماء الفقهاء. إن ثبات الشريعة في مبادئها وأركانها، يصاحبه القول بمرونتها أيضا؛ وثباتها ومرونتها يعدان من أهم مقومات بقائها واستمرارها، دون أن يُنال من مبادئها، أو أن تكون عائقا أمام أي بحوث ودراسات، فهي ربانية المصدر، أرادها الله ـ عز وجل ـ عالمية شاملة لمختلف جوانب الحياة، ولذا تكيفت مع حياتنا المعاصرة، واستوعبت كل اكتشافاتها وتقنياتها، وأوجدت حلولاً كثيرة لكل مشكلاتها. عالمنا يتغير، والتغير والتجدد سمته وميزته، والتطور الذي نشهده يظهر لنا أهمية معرفة الضوابط التي يجب أن تراعى قبل الإقدام على تسمية الأحكام، وهو أمر منوط بجهود فقهاء الأمة أفرادا وجماعات، الذين ينتظر الناس منهم الحلول الشرعية لكل مستجدات الحياة؛ لا سيما أن ثبات الشريعة ووضوح مبادئها ومرونتها، لا تلغي سبر أغوارها، ومعرفة دقائق معانيها على يد علماء وفقهاء أخذوا العلم الشرعي كابراً عن كابر.. ومرة أخرى أحسنتم أيها الأشقاء العمانيون. |
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
|
|