صادف يوم الجمعة الماضي مولد نبي الرحمة عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وقد شهد العالم الإسلامي في أقطاره المختلفة احتفاء بهذه المناسبة، دون أن يُعتبر ذلك ابتداعاً في الدين، كما أوضح الشيخ الفاضل عبدالله فدعق في مقالته "ولد الهدى" بصحيفة الوطن بأن (الذي يحسن التركيز عليه هو أن الاحتفاء بالذكريات الدينية والدنيوية أمرٌ من أمور العادات لا العبادات، ومن أمور الدنيا لا الدين)؛ وإذ تمر علينا مناسبة زكية وشريفة كهذه المناسبة لنتذكر ما وصف به الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله:(وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) نجد أن فتاوى عدم الرحمة هي التي يعلو صوتها، بدل أن يتم اغتنام المناسبة من أجل التأكيد على معاني الرحمة والإنسانية في هذا الدين العظيم بغاية ترغيب الناس بالدخول فيه وعدم تنفير المنتمين إليه فلا يخرجون منه، خصوصاً فلذات أكبادنا الذين نخسرهم بسبب التشدد وتفجع فيهم عائلاتهم بسبب انحرافهم نحو التطرف، وقد أحسن الزميل عضوان الأحمري بوصف الحال الحرجة التي وجد فيها الطلاب المبتعثون أنفسهم بسبب فتوى الشيخ البراك بتكفير من أفتى بإباحة الاختلاط وإهدار دمه إن لم يتب، والسؤال المطروح هنا: كم عدد الدماء التي تبيح تلك الفتوى الخاطئة والخطيرة سفكها؟
أحسنت صحيفة الوطن أيضا إذ نشرت الخبر تحت عنوان "عودة فتاوى القتل والتكفير بذريعة الاختلاط" إذ لا ننسى كيف كانت فتاوى التكفير سبباً لاشتعال نار الإرهاب في المملكة الغالية، وكيف أن الفقهاء الذين كفّروا المسلمين وأباحوا دم المعاهدين تراجعوا علناً سواء بالمراجعات المكتوبة أو بالمقابلات التلفزيونية، أما الشيخ البراك فقد أباح بفتواه الجديدة دم علماء دين، وليس مجرد أناس عاديين، فمنهم من يتبوأ مناصب عليا في المملكة، ومنهم المشهود له بالعلم والمعرفة، حتى إن الأزهر الشريف طالبه بالتراجع عن هذه الفتوى كما نشر موقع "العربية نت" لأن كافة علماء الأزهر أباحوا الاختلاط ضمن ضوابط وشروط، وكان لي شخصيا أربع مقالات متتالية نشرتها صحيفة الوطن على إثر محاضرة لي أمام فريق الأيدي المتحدة المكوّن من طلاب وطالبات كلية الطب بجامعة الملك عبدالعزيز حيث استندت في ذلك كله على كتب علماء وفقهاء مشهود لهم بالورع والتقوى.
يجب توجيه الأسئلة التالية للشيخ البراك: إذا كان التكفير والقتل مصير من يبيح الاختلاط، حتى لو كان بضوابطه من الاحتشام والغض من البصر وعدم الخلوة، فما هو مصير الذين يقومون بالاختلاط فعلياً؟ هل تحكم على كل العاملين والعاملات في المستشفيات بالقتل؟ ما رأيك بالخادمات في البيوت اللاتي بلغ عددهن في المملكة وحدها أكثر من مليون فهل تبيح دماءهن ودماء من يشغّلهن؟ وما رأيك بالسائقين الذين يوصلون النساء إلى أعمالهن: هل تبيح دماءهم ودماء كل امرأة تركب مع سائق ليس بمحرم لها حتى لو كانت تخرج إلى عملها لتساعد أهلها أو زوجها أو تعول نفسها أو أولادها؟! ما رأيك بالمبتعثين والمبتعثات إلى بلاد العالم التي كل جامعاتها مختلطة، هل تبيح قتلهم أيضا؟ هل تعرف أيها الشيخ أن فتنة الاختلاط نفسها – إن وُجدت – لن تكون بحجم فتنة التكفير التي تدعو إليها والتي تمد أذرعها إلى كثير من الرجال الشرفاء في أعلى المناصب؟ وإن لم تصدر من أجل إثارة البلبلة وزعزعة الثقة وترسيخ دونية وضع المرأة فماغايتها؟!
أوردت "العربية نت" ردود فعل علماء دين من المملكة كقول مدير هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة مكة المكرمة، الشيخ أحمد الغامدي إن هذه الفتوى لا تستحق الالتفات إليها، وهو ما لا أوافقه عليه حتى وإن كان السبب أنها متناقضة كما قال، لأن السؤال هو: متى كانت فتاوى التكفير تتكئ على المنطق والتفكير؟! ولذلك أنقل شيئاً مما يسمح به الاقتباس من رد الباحث الشرعي عبدالله العلويط على هذه الفتوى:(الحل أن تتاح الفرصة للعلماء الآخرين المعتبرين للرد على الفتاوى مثل هذه وعلى الأقل أن يفهم صاحب الفتوى المتشددة أن هناك اختلافا حولها وعليها من علماء معروفين.. هذه الفتوى أعادتنا لنقطة الصفر رغم كل ما تحقق في الفترة السابقة.. من المهم المحاولة وتقليل انفلات الفتوى ولن يكون ذلك إلا بمعرفة من يسعى للفتوى بأن هناك من سيرد عليه من العلماء المعتبرين، لكن مشكلتنا هنا في السعودية أن هناك عدم مبادرة في التصدي لبعض الفتاوى المتشددة.. المشكلة في الحرص على العلاقات الشخصية وعدم النظر إلى أهمية توعية الناس وهناك أيضا فوبيا التغيير التي لا تعتبر مبررة وهناك ثقافة الخمول أيضا تداخلت في المجتمع كله).
وأستنتج من قول الباحث العلويط حول الحرص على العلاقات الشخصية، أن فقه التحريم لا يختلف كثيراً عن فقه التكفير، كذلك فإن فتوى الشيخ البراك تعرّض الدين للتشويه وتؤدي بأتباعه إلى المزيد من تضليل العقول وتفريق الصفوف.
اليوم هو آخر اثنين في رمضان، ولا أقصد معارضة برنامج الشيخ سلمان العودة الذي كان بعنوان (أول اثنين)، واليوم برنامج الشيخ (حجر الزاوية) هو الأكثر مشاهدة، ومع أني لم أتابع إلا القليل منه إلا أني أعتقد أن العودة يستحق ذلك فهو إنسان مجد ومجتهد ومجدد، وهو أيضا ذكي وموهوب، إضافة إلى أن فريق البرنامج يشكل عاملا أساسيا في إنجاحه، لذلك لا يمكن تجاهل ما كتبه الزميل عبد الله المغلوث من ثناء على مقدم البرنامج.
القناة نفسها لها دور في اهتمام الناس بأي برنامج، فهي قناة تمتلك جماهيرية واسعة، وإن كنت أتمنى - ويشاركني كثيرون هذه الأمنية - أن تساهم هذه القناة في الحفاظ على نقاء الفطرة وبراءة الطفولة، فتحذف الكلمات الخادشة للحياء التي تأتي في سياق بعض الأفلام الأجنبية أو حتى العربية، ولنا في برنامج د. فيل- مثلا - أسوة، فهو يحذف الكلمات النابية احتراما للذوق العام، وبمناسبة رمضان كنت أتمنى ألا تعرض القناة أي مشهد مخل بالحياء وقت الإفطار، وخصوصا أنه الوقت الذي تجتمع فيه الأسرة كلها، والحقيقة لم يزعجني سوى مشهد واحد يأتي في سياق الإعلان عن برنامج لأنثى- لا أستطيع أن أقول امرأة ولا سيدة - ولا أدري في الحقيقة ما هو مضمون برنامجها وهل هي مذيعة حقاً أم ... (اللهم إني صائم)!.
على نفس القناة كان برنامج "خواطر" أفضل من السنوات السابقة، وهذا يجعلني أقر للأخ أحمد الشقيري بالاجتهاد والذكاء وإن كان بحاجة إلى تطوير في لغة الجسد والإيماءات ونبرة الصوت ونبذ شخصية الواعظ التي يعود إليها أحيانا دون شعور، عدا أني لم أفهم إلى الآن مغزى تركيز الكاميرا أحيانا على جزء من وجهه أو فمه أو زر ثوبه مما يشتت انتباه المشاهد، وإن كان ذلك مما يمكن التسامح معه مقابل أننا اطلعنا على شعب قام من تحت الأنقاض فبنى لنفسه حضارة، ويحسب للشقيري جرأته في الحث على الاقتداء بهذا الشعب رغم أنه يعتنق الديانة البوذية، خصوصا أن كثيرين منا يكادون لا يعترفون بالديانات السماوية الأخرى فما بالك بغيرها!
أجمل برنامج مسابقات كان "أم حديجان" ولا يضاهي الإبداع في حركات الدمى ثلاثية الأبعاد سوى إبداع الفنان عبد العزيز الهزاع الذي يقوم بأداء أصوات الممثلين كلهم، ولو كنت أشترك في برنامج مسابقات لاشتركت به لما لشخصية أم حديجان القوية من قدرة على الجذب، فهذه هي المرأة في البيئة السعودية الأصيلة.. امرأة لا تنهزم ولا تستسلم بل تنهي إخفاقاتها بابتسامة وسؤال.
" أم الحالة " ما هو؟ هو فن جديد شبابي ملفت للانتباه، فخلال خمس دقائق يقدم لنا العمل رسالة عن هموم الشباب أو مشكلات المجتمع بروح نكتة ومواقف ساخرة، وإن كنت أرجو أن يتم تلافي الكلمات النابية في حال استمر البرنامج في رمضان المقبل فالفن رسالة وليس فقط للإضحاك.
أما طاش ما طاش فقد كانت أغلب أفكار حلقات المسلسل جديدة، وبعضها جريء كحلقة التحويل عندما قام شاب بعملية تحويل الجنس تبعا لنصيحة الطبيب، لكن المعالجة تنقصها المواقف المتصاعدة بدراميتها أو كوميديتها حتى نصل للحبكة، وعموما الروح الكوميدية مفقودة في طاش هذا العام، عدا أن الإضاءة تتحول إلى ظلام في كثير من المشاهد بدون سبب، والصوت يكاد يصبح بلا صوت في بعض المرات، وكمية المكياج التي وضعتها على وجهها بعض الممثلات في مواقف تستدعي العكس، كمشهد المرأة التي ذهبت إلى صاحبها القديم لتوقفه عن تهديده بتدمير حياتها مع زوجها، لم يكن مناسبا لامرأة أعدت نفسها لجريمة بل لامرأة ذاهبة إلى حفلة راقصة، وهذا غيض من فيض ما يقال عن طاش هذا العام، مع احترامي الشديد للسدحان والقصبي، ومع الأمل بأن طاش بلغ سن المراهقة (السادسة عشرة) وأنه سوف يصل إلى النضج قريبا!
لا أعرف شيئا عن المسلسلات الأخرى في القناة فأنا أنظر إلى التلفاز وقت الإفطار وما حوله فقط، وقد أفتحه بعد صلاة التراويح، على قنوات أخرى، ولقد تابعت على قناة اقرأ حلقتين من برنامج ذكريات، إحداهما مع الدكتورة الأزهرية سعاد صالح والأخرى مع الداعية المحترم عبد الإله فدعق، ولفت نظري "الزوم" الذي وجّهه رجل الكاميرا على وجه الداعية عندما نزلت دمعة من عينه لدى ذكر والده - رحمه الله - ولا أدري هل هو استجداء لعواطف الناس أم استغلال للحظة حزن الرجل على والده؟ على كل حال فإن الداعية الفاضل كان كريم الأخلاق سواء عندما اتصل هاتفيا بزوجته واحترم رغبتها بعدم الظهور في البرنامج أو عندما وضع مريول الطبخ بتواضع موضحا أنه لا يتوانى عن مساعدة أهل بيته، فليت لدينا منك يا فدعق الكثير، لأن ما يلزمنا حقا هو التواضع!
على قناة الرسالة رأيت الدكتور طارق السويدان في حلقة واحدة أخطأ فيها، فالمقولة الصحيحة هي: عقول تناقش المبادئ وعقول تناقش الأشخاص وعقول تناقش الأشياء، أما السويدان فقد أعطى العقول التي تناقش الأشياء مرتبة وسطى، وبذلك انحرف عن المقولة المشهورة، وبنى شرحه كله على الخطأ، وإن كان من عادة البشر الخطأ فإن أخطاء الكبار تكاد لا تغتفر!
أما من مثّل القصص القرآني وقصص الصحابة وأعاد تفسير القرآن بنفس الطريقة التقليدية فإنه لم يأت لنا بجديد، ولذلك كان برنامج "الإسلام منهج حياة" على قناة اقرأ بمثابة اكتشاف، وليتني تعرفت إلى الدكتور محمد راتب النابلسي من قبل، فهو يتكلم عن المقاصد الكبرى للدين وينصح بعدم الاهتمام بالفروع على حساب الأصول، ولعلنا نفهم جيدا ما يقول!