مقال جريدة الوطن لهذا الأسبوع
السبت 3 جمادى الأول 1431 هـ:
|
الرثاء معنى ومغزى |
يرتبط المدلول اللغوي لكلمة (الرثاء) ـ كما تقول الكتب العربية الأصيلة بالميت والبكاء. والرثاء في أصله اللغوي مصدر للفعل (رثى) فيقال:"رثيت الميت رثيا ورثاء ومرثاة ومرثية"، ويدل الأصل (رثى) على التوجع والإشفاق، يقال "رثيت لفلان" أي رققت لحاله. والرثاء على أصح المعاني هو مدح للميت بما كان يتصف به من صفات كالكرم والشجاعة والشرف والسيادة. وقيل: هو بكاء الميت وندبه، وإظهار التفجع لوفاته، وتعديد مناقبه، وإظهار التلهف عليه، واستعظام المصيبة فيه. وهو على ثلاثة ألوان؛ أولها الندب ـ بكاء الأهل والأقارب عند موت أحدهم ـ ، وثانيها التأبين، وثالثها العزاء. والرثاء كما يكون بالنثر يكون بالشعر، ويعد شعر الرثاء من أهم موضوعات الشعر العربي وأبرزها، لأنه أصدقها وأكثرها تعبيرا عن المشاعر الإنسانية، لارتباطه بالموت، وبالحزن على من قد مات، وفارق الحياة، وبكى عليه الشاعر بكاء صادراً وصادقاً عن مشاعر وعواطف حقيقية. ومن أصدق الرثاء رثاء سيدتنا فاطمة ـ رضي الله عنها ـ في المصطفى صلى الله عليه وسلم بقولها:
صبت عليّ مصائب لو أنها
صبت على الأيام صرن لياليا..
ومن أصدقه كذلك بكائية سيدتنا تماضر بنت عمرو ـ رضي الله عنها ـ المعروفة بالخنساء، التي تقول في مطلعها:
أعيني جودا ولا تجمدا
ألا تبكيان لصخر الندى؟
وطأت مقالي بما سبق ذكره لأكتب مرثية عابرة أرثي بها صاحب فضيلة فقده محبوه هنا وهناك قبل ثلاثة عشر يوما، إنه الإمام الشيخ الحبيب السيد عبدالقادر بن أحمد السقاف، الذي أكرمه الله بحياة مديدة قدرت بمئة عام إلا شهرين، منّ عليه ربه بأن يقضيها بين تعلم وتعليم، وتذكر وتذكير، ونفع وانتفاع، وإفادة واستفادة، وحث على التمسك بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ودعاء إلى الهدى، ودلالة على الخير، ابتغاء وجه الله ومرضاته وقربه وثوابه سبحانه وتعالى.
عرفت كما عرف الكثيرون عن الفقيد أن الله قد جمع له خصالا أبرزها؛ العلم الواسع، مع العقل الوافر، والذهن اللامع، والصلاح. ولقد قدر الله تعالى له أن ينجو من الحزب الشيوعي في حضرموت آنذاك، ويأتي إلى العيش بيننا في المملكة مدة لا بأس بها من حياته الحافلة، تخلل ذلك قيام ولاة الأمر يحفظهم الله، بمنحه وعائلته جوازات سفر سعودية تسمح لهم بحرية المرور، فكان ذلك أحد المؤشرات على أن مكانة العلماء الصادقين عند ولاة الأمر محفوظة، وتقديرهم أمر واقع. قام الراحل في مكة المكرمة وجدة بنشاط تربوي وتعليمي ملحوظ، وأحيا البيوت والمجالس العلمية بالحكمة والموعظة الحسنة، والطريقة النقية، واحتمال المغارم، والزهد عن المغانم، والسعي في حاجة ذوي الحاجة، فالتف حوله الناس، وانتعشت به دروس الفقه والعلم الشرعي، واحتضن منزله العامر نصيبا من هذه الدروس، وخصوصا عصر كل يوم من أيام شهر رمضان، وكان للأدب نصيب في وعظه وإرشاده، وربما لا يكون معروفا للجميع أنه وفي فترة من فترات حياته قبل مجيئه للمملكة قد تولى رئاسة النادي الأدبي ببلدته. وأخيرا ومن حبه رحمه الله للعاصمة المقدسة، مكة المكرمة، ختم الله له بالدفن في أحضانها وبين ثرى ترابها المحرم، في موكب جنائزي مهيب.
ما يهمني مرة أخرى بعد سرد ما قصدت به الوفاء والعظة، هو التأكيد على أهمية معرفة مكانة العلماء، والأهم قبل هذا وبعده هو أن يتحلى العلماء لأجل نيل المكانة اللائقة بهم بالصفات الإيجابية، وأهم هذه الصفات في نظري؛ الصدق مع الأمانة كذا الإخلاص. |
بانتظار تعليقاتكم ومشاركاتكم الفعالة على الرابط
http://www.alwatan.com.sa/news/write...3&issueno=3487