#1
|
|||
|
|||
![]() قرية التائهين قرية نائية تلك التي يجوبها مرزوق ليل نهار, محاطة برمال اندثرت خوفا من حريق شمس تغذي نفسها باللهب بنهم متواصل. قرية مجهولة التاريخ وكأن السماء التقطتها من ظلمات مجهولة ولفظتها في بقعة مبهمة من الصحراء. هي بقعة من صخور وتراب, باهتة , مملة, تبدو للعابر كصخرة بلا ملامح أو روح. أطلق عليها مرزوق اسم قرية التائهين, إتخذها وطن وملاذ , وبدى الاسم ملائما لها , فحين يعبرها المسافر لايشعر فيها شعور المستقر المرتاح, و عند ولوجها تبدو الطرقات كمتاهة , بلا نهايات, وبيوتها عبارة عن تكوينات مبعثرة وغير متناغمة مع بعضها , قرية بلا سمة ولا روح. ٍسكانها كالارواح خاضعة ذابلة, كلهم ممن التقطتهم الصحراء وألقتهم فيها, يعيشون فيها مستسلمين لقدر اختار لهم موقعا في الارض يبعد عن أماكنهم مسافات من التيه. في تلك البقعة من الارض , يفقد النور بريقه و يتحول لحالة الصمت متمردا لوجوده خارج نطاق الطبيعة فيغدو النهار في القرية كخط من نور يتأرجح ما بين لونين الأبيض والأصفر. مرزوق, المتجول بلا كلل, لم يدري أنه حين فارق قريته سيودع سنين صباه , وسيخلف روحه معلقة ومغلفة عند بوابة قريته. خرج متسلحا بشبابه وطموحه, راكضا نحو المجهول يحدوه الامل في الاكتشاف والمعرفة , لتبلعه الصحراء , وتتفرق به الدروب ويلوذ ببقعة كئيبة وسط المجهول . إعتاد مرزوق الاستيقاظ فجرا , ليلتقط أول خيوط الفجر عند حدود القرية , يفيق مذعورا كي لا تفوته لحظة من نور قد تسبقه نحو طريق العودة, تلك أمنية سكنته منذ عشرون عاما قضاها تائها ضالا مغتربا , يبحث عن انتمائه وسط العدم, وفي كل مرة يقترب من حلمه يشعر بخوف يترصده , قيده الخوف حتى من الأمل. يركض مرزوق مبتعدا عن تشعب الطرق الضيقة , ورائحة أجساد النائمين متجها نحو المساحات الشاسعة , متتبعا خط النور المنبثق من الأفق, مدركا ومتغافلا في نفس الوقت وعن عمد بأنه يركض نحو سراب, وأن تلك المساحات الشاسعة من الرمال ما هي الا حدود وهم في رأسه. يتوقف مرزوق عند حدود القرية , موجها بصره نحو البعيد , سكون المكان يسكنه بأبدية سرمدية, ظلمة الوجود تغشاه وتقيده , احاسيس كثيرة فقدها , عجزه عن الاحساس يدفعه للجنون , ثورة داخله كانت قد انطفأت , ذاك البريق الصادر من نظراته كان قد سرق منه, وكأن النجوم في تأمله لها طوال سنوات بقاءه في هذا المكان كانت تتغذى على ذاك البريق. لم يدري أنه في كل ليلة كان يأتي طائعا لآلهة الظلام , مانحا نفسه لها قربانا لتنير له وحشة أحلامه. والآن, يقف ساكنا عاجزا أمام تلك الآلهة , التي ملت عجزه , ينحني بانهزام من لايملك الا روح ذبلت وعقل مستكين . يطالع القمر فيتذكر وجه أمه , تلك المبتسمة الحانية, المفعمة بالحياة , وصوت داخله يهمس:" أطفأت نور قلبها يا مرزوق برحيلك." تلك المرأة القوية الحانية, هيهات عن دفيء أحضانها. يتذكر خجلها وهدوءها وترتسم ابتسامة على وجهه, وتباغته ذكرى قريته الصغيرة, وحقول القمح ممتدة حتى السماء, ورفقة صغار يمرحون وسط الحقول وصوت عجوز يصرخ بهم قاذفا إياهم بالحجارة كي يتركوا الحقل, ليركضوا مذعورين نحو القرية , لائذين بطريق جانبي, ليستلقوا على ظهورهم موجهين بصرهم نحو النجوم, يتبادلون الأحلام والقصص ليفيقوا على أصوات مألوفة تدعوهم للعودة. قريته الفقيرة الصغيرة تلك تتراءى له اليوم ذكرى زرعت في زمن آخر , كانت قرية تعبق بأرواح ساكنيها , عائلات صغيرة ومتقاربة, يتشاركون تفاصيل أيامهم قانعين بما يأتي على ندرته, يجتمعون ويتسامرون بقصص ساذجة وتاريخ بعيد. كان اسمه مرزوق حين كان في قريته , واليوم , يعلم أن اسمه كان قد حفر خارج حدود التائهين, وكأنه يأبى أن يفقد البقية الباقية منه, الجزء الأهم والذي يربطه بعالم حقيقي مضاء, اسمه سيبقى معلقا بخيط خارج حدود هذا المكان اللعين , خيط قد يوصله يوما لحدود أمه . وفي لحظة استفاق على صوت بعيد, حدق في البعيد, تراءى له جمعا, تكتل بشري يتجه نحوه, ومع كل دنو لهذا التكتل يزداد خفقان قلبه, وفي لحظات كانت قافلة من بشر أمامه. في تلك اللحظات تنقل ما بين الرؤيا والواقع, لم يكن يتحدث وان حاول, حاول التلويح بيديه فلم يستطع تحريكهما, تجمدت حواسه , حاول تحريك عينيه, ولكن أحداقه بقت متسعة ببلاهة وذهول, لحظات من الوعي واللا وعي انتقل فيها عقله من منطقة النور الى ظلمات مجهولة. حين استفاق من حالته تلك, لم تكن هناك قافلة , أدرك حينها أن بقعة العدم التي أوجدها تأبى عليه مفارقتها, وأنه حين أبقى اسمه خارج حدودها فقد انتمائه له, وأنه ينتمي لمنطقة من الوجود تمتلك أكبر قدر من قوة الجاذبية, وأنه لم يعد بشرا, وأن العالم خارج حدود التائهين أصبح عالم من ذكريات , وأنه لن يرى وجه أمه أبدا الا من خلال وجه القمر. |
#2
|
||||
|
||||
![]() والله يا موها قصه غريبه وتوهتينا فيها
وهذا دليل على ان القصه فعلا حققت غرضها و عبرت عن قرية التائهين بكل معانيها من وصفك بدت لي هذه القرية كانها مقبرة لساكنيها والله اعلم معليش انا لست من الادباء ولا استطيع ان اعطي تحليل ادبي صحيح لكن تحليلي البسيط كقارئ عادي جدا كالتالي: هو ان انتقاء الكلمات في منتهى البلاغة و تناسق و انسياب العبارات ولا اروع ومعبر وممتع لكن تسلسل المعاني و الاحداث اجد صعوبه في استشفافها واحب اشكرك على كتاباتك الى تطعم منتدانا ببعد جديد نفتقده الله يعطيكي العافية على ماتجودي لنا به من ابداعاتك ![]() ![]() |
#3
|
|||||
|
|||||
![]() جدا روعه يا موها
![]()
__________________
يارب عسى اللى جآي خير وآلي مضى خيرة الصلاةُ عـــلى رســـول الله شمس لاتغيـــــبُ حاشا يضام من استجار بها وحاشا أن يخيبُ فإن دعوت الله في أمر عصيٍّ أو عصيـــــــبِ فابدأ دعائك واختتمه بالصلاةِ على الحبيــــبِ دروس الروحه على الرابط التالي |
#4
|
|||||
|
|||||
![]() رائعه عالمية موها نقلتنا الى عالم مرزوق الذي تاه في هذا العالم الواسع ولكن جذورنا في كثير من الاحيان تجبرنا على الرجوع الى حيث كنا وان كانت زكريات ووجوه فليدعو لها بالرحمه وليبكي كثيرا على ما فرط عل الدموع تطهر نفسه وترحمه من عذاب الضمير شكرا موها قصة ممتعه اجبرتني على التفاعل![]() |
#5
|
||||
|
||||
![]() موها تاهت افكاري ولكن استرجعتها بقوة عباراتك الرائعة واسلوب مذهل جدا
دمت ودام قلمك المبدع
__________________
الليل وما ادراك ما الليل الليل معزوفه يسمعها قلبي وتتراقص عليها ادمعي الليل اعتبره حبيبي الذي لا يفارقني فهو الذي يمسح دمعتي ويهدئ من روعي |
#6
|
||||
|
||||
![]() روعة يا موها
استمتعت بقرأتها ![]()
__________________
الحـــــــــــــــــياة
مليئـــــــة بالحجــــــــــارة فلا تتعـــــثر بهـــــــا بــل اجمعـــــها وابــــن بهــــا سلمــــا تصـــــعد بـــه نحــــو النجـــاح |
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
يوم القيامه قريب جدا جدا جدا | قلب الاسد | الديني | 12 | 01-08-2007 08:26 AM |
دانبا أجمل قرية في الصين | الشريفة الهاشمية | ســيــاحه وســفــر | 7 | 19-05-2007 02:38 AM |